إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ١٥٤
(قوله: على شهيد) أي وتحرم الصلاة على الشهيد، لما صح أنه (ص) أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم. وأما خبر: أنه (ص) خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت زاد البخاري بعد ثمان سنين فالمراد - كما في المجموع - دعا لهم كدعائه للميت، والاجماع يدل له. (قوله: وهو) أي لفظ شهيد. (قوله:
لأنه مشهود له بالجنة) بيان الحكمة كون شهيد بمعنى مشهود. أي وإنما كان كذلك لأنه مشهود له بالجنة. وقيل لأنه يبعث، وله شاهد بقتله إذ يبعث، وجرحه يتفجر دما. وقيل: لان ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه. (قوله: أو فاعل) معطوف على مفعول، أي أو هو بوزن فعيل بمعنى فاعل فهو شهيد بمعنى شاهد. وقوله لان روحه إلخ. بيان الحكمة كونه بمعنى فاعل، أي وإنما كان كذلك لأنه شاهد أي روحه تشهد الجنة قبل غيره. (قوله: ويطلق لفظ الشهيد إلخ) الملائم والاخصر أن يعمم عند تعريف المتن للشهيد بأن يقول بعد قول المتن: وهو من مات في قتال كفار، سواء كان شهيدا في الدنيا والآخرة - وهو من قاتل لاعلاء كلمة الله تعالى - وشهيدا في الدنيا فقط - وهو من قاتل لنحو حمية - ثم يقول: وخرج بذلك شهيد الآخرة فقط - وهو من مات مقتولا ظلما - إلخ. وقد تقدم الكلام على أقسام الشهيد أول الباب، فلا تغفل. (قوله: لتكون كلمة الله إلخ) المراد بها كلمة التوحيد والدعوة إلى الاسلام. (وقوله: هي العليا) أي الظاهرة الغالبة، ولا بد أن لا يصاحب ذلك رياء ولا غلول من غنيمة وغير ذلك. (قوله: وعلى من قاتل لنحو حمية) أي لقومه، ودخل تحت لنحو: من قاتل للرياء، أو للغنيمة، أو نحو ذلك. (قوله: فهو شهيد الدنيا) أي فتجري عليه أحكام الشهادة الدنيوية، من كونه لا يغسل ولا يصلى عليه. (قوله: وعلى مقتول) معطوف على من قاتل الأولى، أي ويطلق لفظ الشهيد على مقتول. (وقوله: ظلما) خرج به ما إذا كان مقتولا بحق - كأن كان لقصاص - فلا يكون شهيدا. (قوله:
وغريق) معطوف على مقتول، أي ويطلق لفظ الشهيد على غريق، أي مات غرقا في بحر أو ماء كثير.
(لطيفة) حكي أن شخصا نزل هو ومحبوبه يسبحان في البحر، فغرق محبوبه، فأشار إلى البحر وأنشد وقال:
ياماء: لك قد أتيت بضد ما * قد قيل فيك مخبرا بعجيب؟
الله أخبر أن فيك حياتنا * فلأي شئ مات فيك حبيبي؟
فلما قال ذلك أحياه الله تعالى، وطلع له من البحر (قوله: وحريق) أي ويطلق لفظ الشهيد على حريق، أي محروق بالنار. (قوله: ومبطون) أي ويطلق لفظ الشهيد على مبطون. (قوله: أي من قتله بطنه) أي داء في بطنه، وبينه بقوله: كاستسقاء أو إسهال، فإنهما داءان في البطن يكونان سببا في الهلاك غالبا. (قوله: فهم) أي المقتول ظلما والغريق والحريق إلخ. (وقوله: الشهداء في الآخرة فقط) أي لا في الدنيا، فتجري عليهم أحكام غير الشهيد، من الغسل، والصلاة، وغير ذلك. (قوله: كغسله) أي كتحريم غسله.
(وقوله: أي الشهيد) بيان لمرجع الضمير في غسله. وإنما أرجعه للشهيد ولم يرجعه للمذكور من الكافر والشهيد، لان غسل الأول ليس بحرام، بل هو جائز. (قوله: ولو جنبا) أي يحرم غسله ولو كان جنبا، لان حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب، ولم يغلسه النبي (ص)، وقال: رأيت الملائكة تغسله. رواه بن حبان والحاكم في صحيحهما. (قوله:
لأنه (ص) لم يغسل قتلى أحد) ولما رواه الإمام أحمد أنه (ص) قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكا يوم القيامة. وحكمة ذلك أيضا: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن التطهير. وفي ذلك حث على الجهاد الذي جبلت النفوس على الكراهة له والنفرة عنه لحبها البقاء في الدنيا. (فإن قيل) الأنبياء والمرسلون أفضل من
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست