رسول الله (ص): من عزى مصابا فله مثل أجره. وأخرج الترمذي أيضا عن أبي برزة: من عزى ثكلى كسي بردا.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عمرو بن حزم: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة.
وقد أرسل الإمام الشافعي - رضي الله عنه - إلى بعض أصحابه يعزيه في ابن له قد مات بقوله:
إني معزيك لا إني على ثقة * من الخلود، ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد ميته * ولا المعزي ولو عاشا إلى حين والتعزية: هي الامر بالصبر، والحمل عليه بوعد الاجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة وللحي بجبر المصيبة، فيقال فيها: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وجبر معصيتك، أو أخلف عليك، أو نحو ذلك.
وهذا في تعزية المسلم بالمسلم. وأما تعزية المسلم بالكافر فلا يقال فيها: وغفر لميتك، لان الله لا يغفر الكفر.
وهي مستحبة قبل مضي ثلاثة أيام من الموت، وتكره بعد مضيها. ويسن أن يعم بها جميع أهل الميت من صغير وكبير، ورجل وامرأة، إلا شابة وأمرد حسنا، فلا يعزيهما إلا محارمهما، وزوجهما. ويكره ابتداء أجنبي لهما بالتعزية، بل الحرمة أقرب. ويكره لأهل الميت الجلوس للتعزية، وصنع طعام يجمعون الناس عليه، لما روى أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة، ويستحب لجيران أهل الميت - ولو أجانب - ومعارفهم - وإن لم يكونوا جيرانا - وأقاربه الأباعد - وإن كانوا بغير بلد الميت - أن يصنعوا لأهله طعاما يكفيهم يوما وليلة، وأن يلحوا عليهم في الاكل. ويحرم صنعه للنائحة، لأنه إعانة على معصية.
وقد اطلعت على سؤال رفع لمفاتي مكة المشرفة فيما يفعله أهل الميت من الطعام. وجواب منهم لذلك.
(وصورتهما).
ما قول المفاتي الكرام بالبلد الحرام دام نفعهم للأنام مدى الأيام، في العرف الخاص في بلدة لمن بها من الاشخاص أن الشخص إذا انتقل إلى دار الجزاء، وحضر معارفه وجيرانه العزاء، جرى العرف بأنهم ينتظرون الطعام، ومن غلبة الحياء على أهل الميت يتكلفون التكلف التام، ويهيئون لهم أطعمة عديدة، ويحضرونها لهم بالمشقة الشديدة. فهل لو أراد رئيس الحكام - بما له من الرفق بالرعية، والشفقة على الأهالي - بمنع هذه القضية بالكلية ليعودوا إلى التمسك بالسنة السنية، المأثورة عن خير البرية وإلى عليه ربه صلاة وسلاما، حيث قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما يثاب على هذا المنع المذكور؟ أفيدوا بالجواب بما هو منقول ومسطور.
(الحمد لله وحده) وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده. اللهم أسألك الهداية للصواب. نعم، ما يفعله الناس من الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام، من البدع المنكرة التي يثاب على منعها والي الامر، ثبت الله به قواعد الدين وأيد به الاسلام والمسلمين. قال العلامة أحمد بن حجر في (تحفة المحتاج لشرحك المنهاج): ويسن لجيران أهله - أي الميت - تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم، للخبر الصحيح. اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم. ويلح عليهم في الاكل ندبا، لأنهم قد يتركونه حياء، أو لفرط جزع. ويحرم تهيئه للنائحات لأنه إعانة على معصية، وما اعتيد من جعل أهل الميت طعاما ليدعوا الناس إليه، بدعة مكروهة - كإجابتهم لذلك، لما صح عن جرير رضي الله عنه. كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة.
ووجه عده من النياحة ما فيه من شدة الاهتمام بأمر الحزن. ومن ثم كره اجتماع أهل الميت ليقصدوا بالعزاء، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم. اه.
وفي حاشية العلامة الجمل على شرح المنهج: ومن البدع المنكرة والمكروه فعلها: ما يفعله الناس من الوحشة