وشرع الجمع في السنة التاسعة من الهجرة في غزوة تبوك - اسم مكان في طرف الشام - وهي آخر غزواته عليه الصلاة والسلام.
(قوله: يجوز لمسافر) أي تخفيفا عليه لما يلحقه من مشقة السفر الحاصلة فيه من الركوب والمشي مع الألم الناشئ من ترك المألوف من الوطن وغيره. وأشعر تعبيره بالجواز أن الأفضل الاتمام. نعم، إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في جواز قصره فالأفضل القصر للاتباع، وخروجا من خلاف أبي حنيفة - رضي الله عنه - فإنه يوجب القصر حينئذ.
وخرج بقولنا ولم يختلف في جواز قصره: من اختلف في جواز قصره، كملاح يسافر في البحر ومعه عياله في سفينة، ومن يديم السفر مطلقا كالساعي فإن الاتمام أفضل له، خروجا من خلاف من أوجبه، كالإمام أحمد رضي الله عنه. وروعي مذهبه دون مذهب أبي حنيفة في ذلك لموافقته الأصل، وهو الاتمام. ثم إنه أورد على التعبير بالجواز أنه قد يجب القصر فيما لو أخر الصلاة إلى أن بقي من وقتها ما لا يسعها إلا مقصورة لأنه لو أتمها للزم إخراج بعض الصلاة عن وقتها مع تمكنه من إيقاعها في الوقت. وقد يجب القصر والجمع معا فيما لو أخر الظهر إلى وقت العصر بنية الجمع، ولم يصل حتى بقي من وقت العصر ما يسع أربع ركعات. وأجيب بأن المراد بالجواز. ما قابل الامتناع فيشمل الوجوب.
(قوله: سفرا طويلا) هذا أحد شروط القصر والجمع، وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية. وذلك لان ابني عمر وعباس - رضي الله عنهم - كانا يقصران ويفطران في أربعة برد، ولا يعرف مخالف لهما. ومثله لا يكون إلا عن توقيف.
والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام، والقدمان ذراع ، والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضات، والإصبع ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون. وهذا تحديد لمسافة القصر بالمساحة. وأما تحديدها بالزمان فهو سير يومين معتدلين، أو ليلتين معتدلتين، أو يوم وليلة وإن لم يعتدلا، بسير الأثقال، وهي الإبل المحملة، مع اعتبار النزول المعتاد للاكل، والشرب، والصلاة، والاستراحة.
وقد نظم بعضهم ضابط مسافة القصر بالتحديد الأول في قوله:
مسافة القصر احفظوها واسمعوا * هي أربع من قيس برد تذرع ثم البريد من الفراسخ أربع * ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا والميل ألف أي من الباعات قل * والباع أربع أذرع فتتبعوا ثم الذراع من الأصابع أربع * من بعدها العشرون ثم الإصبع ست شعيرات فبطن شعيرة * منها إلى ظهر لاخرى توضع ثم الشعيرة ست شعرات كذا * من شعر بغل ليس من ذا مدفع (قوله: قصر رباعية) هي الظهر والعصر والعشاء، وخرج بها الثنائية والثلاثية فلا يقصران. قال في النهاية: وأما خبر مسلم: فرضت الصلاة في الخوف ركعة فمحمول على أنه يصليها فيه مع الامام، وينفرد بالأخرى. إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعا، وخرجت عن موضوعها. والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين، لأنها لا تكون إلا وترا، ولا إلى ركعة، لخروجها بذلك عن باقي الصلوات. اه. ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة أصالة، فلو كانت نافلة أو منذورة لا يصح قصرها. وأما المعادة، فله قصرها إن قصر أصلها وصلاها خلف من يصليها مقصورة، أو صلاها إماما، سواء صلى الأولى جماعة أو فرادى. (قوله: مؤداة) دخل فيها ما لو سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة، فإنه