البحث في رسالات العشر - محمد حسن القديري - الصفحة ٣٥٥
في مقام انشاء الحجية في باب القضاء بهذا الخطاب فقد يتجه ما ذكر، واما إذا كان في مقام الاخبار وتوضيح ان النبي صلى الله عليه وآله لا يستعمل في مقام القضاء علمه الغيبي وانما يعمل الموازين والحجج الظاهرية، فلا يتضمن القول المذكور حينئذ نحوين من الحجية، بل نحوا واحدا. ففرق بين ان يقال جعلت الحجية في باب القضاء لما هو حجة، أو يقال: لا اعتمد في باب القضاء على علم الغيب بل على الحجة، فان الأول تستفاد منه حجية في المرتبة السابقة على الحجية القضائية، بخلاف الثاني. أقول: ان جعل البينة بمعنى الحجة موضوعا للقضاء وجعلها مقابلة لليمين وتطبيقها على شهادة عدلين تدل عرفا على أن شهادة عدلين طريق وحجة. والمفروض الغاء خصوصية مورد القضاء لان الحجية اخذت مفروضة. فقوله (انما اقضي بينكم بالبينات والايمان) مساوق للقول بأنه انما اقضي بينكم بالحجج، أي الطرق والايمان، وتطبيق الحجة في قبال اليمين على شهادة عدلين والغاء خصوصية مورد القضاء للمفروغية يدلنا على أن شهادة عدلين طريق وحجة مطلقا عرفا، فالصحيح ما افاده الأستاذ. وما أورده عليه من الاشكال غير وارد، ومن الغرائب الاشكال الثاني فإنه يرد عليه: (أولا) ان جعل الحجية للحجة غير معقول ولا يقول به الأستاذ أيضا، بل المراد ان الحجة مستند للحكم في القضاء، وأين هذا من جعل الحجية للحجة (وثانيا) كيف لا يدل القول باني لا اعتمد الاعلى الحجة مفروغية الحجية قبل الاعتماد مع أنها مستندة للاعتماد. قال: (ثالثها) ان يقال إن قوله (اقضي بينكم بالبينات) بعد ضم الصغرى اليه المتحصلة من فعل النبي صلى الله عليه وآله وتطبيقه لعنوان البينة على شهادة عدلين الذي هو امر معلوم وواضح يدل على أن شهادة عدلين بينة أي مما يبين المطلب ويوضحه، وهذه الدلالة وان لم يكن لها اطلاق في نفسها، ولكن
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»