شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٣٨
بينه وبين موسى من الأسرار. (و (السين) في السجن من حروف الزوائد. أي، لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.) اعلم، أن الحروف كلها دالة على المعاني الغيبية في مفرداتها ومركباتها، كما هو مقرر عند العلماء بالأسرار الإلهية. ومن عرف أن الكلمات الموضوعة إنما وضعت بإزاء الحقائق الإلهية والكونية، وعرف أن الواضع الحقيقي في المظاهر الإنسانية هو الحق سبحانه وتعالى، عرف ذلك. و بعض علماء الظاهر أيضا وقفوا على ذلك، وقالوا إن بين الأسماء ومسمياتها مناسبات ووضعت الألفاظ بإزائها. ف‍ (السين) التي في (السجن) من حروف الزوائد، وهي مع أنها من حروف الزوائد يدل على معنى الستر، لأنه حرف من حروفه. وكونه زائدا أيضا إشارة إلى تعينات الحاصلة على الذات التي هي وجوه العبودية الزائدة على وجوه الربوبية من وجه. فبقى (الجيم) و (النون) و هو يدل على الستر، كما قال تعالى: (فلما جن عليه الليل رأى) أي، ستر. فصار معنى قوله: (لأجعلنك من المسجونين). لأسترنك. لأنك جعلت عين الحق ظاهرا في صور العالم، فيكون ظاهرا في صورتي. وهذا تأييد لي في دعواي، ولى عليك حكم وسلطنة في الظاهر، لأني صاحب الحكم، فقولي لك مثل هذا، و جعلي لك من المسجونين حق على قولك وعقيدتك.
(فإن قلت لي: قد جهلت يا فرعون بوعيدك إياك والعين واحدة، فكيف فرقت؟ فيقول فرعون: إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها. ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.) أي، وإن قلت لي يا موسى: كيف فرقتني عنك وأوعدتني بالسجن، والعين في ذاتها واحدة لا كثرة فيها وتجعلني من الجاهلين؟ أقول: إنما فرقت المراتب بحسب ظهورات عين الحق فيها، فالذات وإن كانت واحدة، لكن المراتب متفرقة، ومرتبتي الان يقتضى أن أحكم فيك وفي مرتبتك، وإن كنت عيني من حيث العين، لكنك غيري من حيث المرتبة.
(١١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1133 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 ... » »»