شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٤٢
رب القوم. وهذا الإطلاق أيضا هو للحق، لأنه هو الذي يرب عباده في صور مظاهره ومجاليه. فلكل من العباد نوع من الربوبية. وأعلى أنواعه في صور التفاصيل للخليفة على العالم كله، ثم للخليفة في الباطن وحده، ثم للخليفة في الظاهر وحده. لذلك قال: (أنا ربكم الأعلى) فأضاف إليهم وجعل لنفسه ما هو أعلى منهم، لتحكمه عليهم بالسيف، وإن كان لكل منهم نصيبا من الربوبية.
وقد مر في المقدمات تنبيه في هذا المعنى، فليطلب هناك تحقيقه.
(ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله، لم ينكروه وأقروا له بذلك، فقالوا له:
(إنما تقضى هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض) (29) فالدولة لك. فصح قوله: (أنا ربكم الأعلى).) أي، من حيث الربوبية الإضافية الحاصلة في المظاهر.
(وإن كان عين الحق، فالصورة لفرعون.) جواب عن سؤال مقدر.
تقديره: أنك جعلت الحق عين الأعيان في الكتاب كله، فصح إطلاق الربوبية المطلقة عليه لأنه عينه. فأجاب بأنه وإن كان عينه عين الحق من حيث الأحدية، لكن الصورة الفرعونية تعينه وتجعله متميزا عنه باعتبار، فلا يصح ذلك الإطلاق.
(فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق) وهو الهوية الإلهية الظاهرة بكل شئ وفي كل شئ. (في صورة باطل) وهي الصورة الفرعونية الفانية. (لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل. فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها) يجوز أن يكون تعليلا لقوله: (فاقض ما أنت قاض). أي، قالوا ذلك لعلمهم بأن تعذيبه إياهم موجب لنيل المراتب الكمالية التي لا تنال إلا بذلك التعذيب. فإن درجة الشهادة لا تنال إلا بالقتل ظلما، لأن الأسباب وسائط للوصول إلى المسببات.
ويجوز أن يكون تعليلا لقطع وصلب. فمعناه: قطع ليظهر تحكمه و سلطنته عليهم، فينقادوا لحكمه في الدنيا ويصل إلى مقتضى عينه ونتائج طبعه و نشأته العنصرية في الآخرة من العذاب بالنار وغيرها. ويجوز أن يكون تعليلا

(29) - وفي الآية الكريمة: (فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا). (ج)
(١١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 1145 1146 1147 ... » »»