شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٨٢
وثانيها، العبادة بحضور تام كأن العابد يشاهد ربه.
وثالثها، شهود الرب مع كل شئ وفي كل شئ. كما قال تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله (وهو محسن) فقد استمسك بالعروة الوثقى). أي، مشاهد لله تعالى عند تسليم ذاته وقلبه إليه.
وإنما خصت الحكمة (الإحسانية) بالكلمة (اللقمانية)، لأنه صاحب الحكمة بشهادة قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا). فهو صاحب الخير، والخير هو (الإحسان) والإحسان فعل ما ينبغي أن يفعل. و (الحكمة) وضع الشئ في موضعه. فهما من واد واحد. و أيضا الحكمة يستلزم الإحسان على كل شئ، فلذلك قارن (الإحسان) بكلمته.
شعر:
(إذا شاء الإله يريد رزقا * له فالكون أجمعه غذاء) (يريد) مفعول (شاء). تقديره: إذا شاء أن يريد. فحذف (أن) ورفع الفعل. كقول الشاعر: (ألا أيها الزاجري أحضر الوغا) (1) أي، أن أحضر الوغا. أي، إذا تعلقت مشيئته بأن يريد له رزقا، فالكون بأجمعه غذاء له.
وقد تقدم أن الحق من حيث أسمائه وصفاته لا يظهر في الشهادة إلا بأعيان الأكوان، وإن كان من حيث ذاته، مع قطع النظر عن الظهور والبطون والأسماء والصفات، غنيا عن العالمين. فالأعيان غذاء له من حيث إظهارها إياه، ومن حيث فناؤها واختفاؤها فيه، ليظهر بوحدته الحقيقة، كفناء الغذاء و انعدامها واختفائها في المغتذى، وإن كان باعتبار آخر هو غذاء للأعيان. وإليه أشار بقوله:

(1) - آخره: (وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي).
(١٠٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1076 1077 1078 1079 1081 1082 1083 1084 1085 1086 1087 ... » »»