شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٧٧
أحوال الموتى بالتنعيم والتعذيب وغيرهما، وعند هذا الانكشاف يعلم أنه قد تحقق بالمقام الحيوانية. وينبغي أن ينتقل مرة أخرى إلى المقام العقلي المجرد بالانقطاع من الشهوات الجسمانية واللذات الطبيعية، كما سقطت شهوة إلياس، عليه السلام، ليصير ما أدركه عين اليقين، ويكون متحققا وذائقا لما عاينه وشاهده. كما أشار إليه من بعد بقوله: (إذا تحقق بما ذكرناه، انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا.) (وعلامته) أي، وعلامة التحقق بهذا المقام على ما أعطانا (علامتان:
الواحدة هذا الكشف) المذكور (فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم، ويرى الميت حيا) بالحياة البرزخية (والصامت متكلما) بالكلمات الروحانية الملكوتية، (والقاعد ماشيا) بالحركات المعنوية والمثالية.
(والعلامة الثانية الخرس) (26) أي، البكم. (بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه، لم يقدر، فحينئذ يتحقق بحيوانيته.) أي، بمقام الحيوانية، لأن الحيوان لم يقدر أن يتكلم حسا بما يراه، وإن كان متكلما في عالمه المثالي بروحه ومعناه.
(وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس، فلم يتحقق بحيوانيته. ولما أقامني الله في هذا المقام، تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون.) (فإذا تحقق بما ذكرناه) أي، بالمقام الحيوانية وانكشف له أسرار عالم الطبيعة وشاهد الأحوال البرزخية وعلم حقيقة ما جاء به الشريعة (إنتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية فيعلم من أين يظهر هذا الحكم في صورة الطبيعة، علما ذوقيا.) وإنما ينتقل إلى مقام العقل المجرد مرة أخرى بعد شهود الأمر على ما هو عليه في البرزخ، لأنه إذا صار عقلا مجردا، شارك العقول المجردة والأرواح المطهرة، واطلع على عالم

(26) - جمع: أخراس، خرسان، أخارس.
(١٠٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1072 1073 1074 1075 1076 1077 1078 1079 1081 1082 1083 ... » »»