(فنبه لقمان بما تكلم به وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم.) سواء كان ذلك المعلوم موجودا في العين، أو لم يكن. أي، نبه بما تكلم به على أن الحق عين كل موجود خارجي، وبما سكت عنه على أنه عين كل معلوم علمي، باق في الغيب غير متصف بالوجود العيني.
أما الأول، فلأنه جعل الله آتيا بما في السماوات أو في الأرض، وهو الله في السماوات والأرض، كما قال تعالى: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله). أي، هويته هي الظاهرة بالألوهية والربوبية في كل ما في الجهة العلوية المسماة ب (السماوات) أو السفلية المسماة ب (الأرض). فالحق عين كل ما في العلو والسفل المرتبي والمكاني.
وأما الثاني، (4) فلأن الهوية الإلهية هي التي لا تعين لها ولا تقيد. وكل ما هو غيرها، سواء كان موجودا عينيا أو علميا، فهو متعين. فعدم التعين المسكوت عنه، إشارة إلى الهوية الإلهية التي هي غير متعينة بنفسها وتعينت بصور المعلومات العلمية. ويجمع القسمين قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم). فشبه، رضى الله عنه، الكلام المنطوق بالكلمات الإلهية الموجودة في الخارج، والمسكوت عنه بالحقائق الغيبية التي لا وجود لها في الخارج.
وقوله: (لأن المعلوم أعم من الشئ.) ليس دليلا على أنه نبه بالمنطوق، أو المسكوت عنه، على أن الحق عين كل موجود، ولأن كون المعلوم أعم من الشئ، أو مساويا له، لا يدل على أن الحق عين كل معلوم بل دليل على قوله: (فهو أنكر النكرات.) وقع مقدما عليه. وضمير (فهو) عائد إلى الحق سبحانه. أي، إذا كان الحق سبحانه عين كل معلوم، سواء كان موجودا في العين أو لم يكن، والمعلوم أعم من الشئ، والشئ أنكر من كل نكرة، فينتج أن الحق أنكر النكرات، لذلك لم يعلم حقيقته غيره، كما قال أكمل الخلائق: (ما عرفناك حق معرفتك).
وإن كان باعتبار آخر أعرف المعارف.