شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٧٨
الجبروت وما فيه من الأنوار القاهرة، فحينئذ يشاهد أمورا كلية وحقائق مجردة، هي أصول لما يظهر في عالم الطبيعة، فيعلم ذوقا أن الأمور الكلية كيف تنزل و تصير جزئية محسوسة مصورة بالصورة الطبيعية العنصرية، من غير تنزل روحه المجردة إلى هذه الصورة الإنسانية والمقام الحيوانية. وبرجوعها إلى مقامها الأصلي وتحققها بالعهد الأول يعرف كيفية تنزلات الذات الإلهية من المقام (الأحدية) و (الواحدية) إلى المراتب الكونية وظهورها في جميع مراتب العوالم السفلية و العلوية، شريفها وخسيسها، عظيمها وحقيرها، فيشاهد الحق في جميع مراتب الوجود شهودا حاليا، فيفوز بالسعادة العظمى والمرتبة الكبرى. رزقنا الله وإياكم السعادة وجعلنا ممن كمل وطهر بالعبادة.
(فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن، فقد أوتى خيرا كثيرا.) أي، فإن علم ذوقا أن الطبيعة هي التي تسمى ب‍ (النفس الرحماني) وليست مغائرة له في الحقيقة، فقد أوتى خيرا كثيرا.
وتفسير (الطبيعة) و (النفس الرحماني) قد مر في (الفص العيسوي) و مواضع أخر مرارا، فلا نحتاج إلى ذكرهما هاهنا.
(وإن اقتصر معه) أي، مع مقام الخرس (على ما ذكرناه) من شهود الأمور التي هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية، (فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله) أي، النظر الفكري. (فيلحق بالعارفين، ويعرف عند ذلك ذوقا) حقيقة قوله تعالى: ((فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم).) لأنه شهد ظهور الحق في جميع مراتب الوجود وكيفية صدور الأفعال منه في المظاهر الكونية، فنفى القتل عنهم، وأضاف إلى الله، كما قال: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
(وما قتلهم إلا الحديد والضارب، والذي خلف هذه الصور) من الهوية الإلهية. (فبالمجموع وقع القتل والرمي) (فيشاهد الأمور) عطف على قوله: (و يعرف عند ذلك ذوقا). (بأصولها) وهي الحقائق المجردة الكونية. (وصورها) وهي الصور الطبيعية والعنصرية والمثالية الخيالية. (فيكون تاما.)
(١٠٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1073 1074 1075 1076 1077 1078 1079 1081 1082 1083 1084 ... » »»