شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٩٣
فص حكمة إمامية في كلمة هارونية (الإمامة) اسم من أسماء الخلافة، كما قال في حق نبيه إبراهيم، صلوات الله عليه: (إني جاعلك للناس إماما). أي، خليفة عليهم. وهي إما بواسطة، أو بلا واسطة. والقسمان ثابتان في هارون، عليه السلام، لذلك اختصت بكلمته. أما الأول، فلكونه خليفة موسى، عليه السلام، كما قال: (اخلفني في قومي). وأما الثاني، فلكونه نبيا رسولا مبعوثا من الحق إلى الخلق بالسيف، كأخيه موسى، فقويت نسبة الإمامة إليه، فكان إماما مطلقا من جانب الحق، وإماما مقيدا من جانب موسى، عليه السلام (1)

(1) - قال الشيخ الكبير في فكوكه (فك ختم الفص الهاروني): (اعلم، أن الإمامة المذكورة في هذا الموضع فإنما تذكر باعتبار أنها لقب من ألقاب الخلافة، ولها التحكم (والمقام) والتقدم. و هي تنقسم من وجه إلى إمامة لا واسطة بينها وبين الحضرة الألوهية، وإلى إمامة ثابتة بالواسطة. والخالية عن الواسطة قد تكون مطلقة عامة الحكم في الوجود، وقد تكون مقيدة، بخلاف الإمامة الثابتة بالواسطة، فإنها لا تكون إلا مقيدة. فالتعبير عن الإمامة الخالية من الواسطة، مثل قوله تعالى للخليل، عليه السلام: (إني جاعلك للناس إماما).
والتي بالواسطة مثل استخلاف هارون على قومه حين قال: (أخلفني في قومي). ومثل ما قيل في حق أبى بكر إنه خليفة رسول الله. وهذا بخلاف خلافة المهدى، عليه السلام، فإن رسول الله لم يضف خلافته إليه، بل سماه خليفة الله وقال: (إذا رأيتم الرايات السود تقبل من أرض خراسان، فأتوها ولو جثوا، فإن فيها خليفة الله المهدى، ثم يملأ الأرض قسطا و عدلا). فأخبر بعموم خلافته وحكمه، فإنه خليفة الله بلا واسطة. فأفهم). وقال رسول الله، عليه السلام: (إن لله خليفة يأتي في آخر الزمان. اسمه اسمى وكنيته كنيتي.
وله المقام المحمود يبايع بين الركن والمقام...) فإن هذه الرواية نقلها الشيخ الأكبر في باب ظهور المهدى، عليه السلام، في آخر الزمان. وقد نقل الشارح الجامي (في نقد النصوص) ما نقلناه عن الفكوك بعينه، وكذا الشارح القيصري وغيرهما. وإذا بلغ الكلام إلى ما قاله الشيخ الكبير في حق الإمام محمد المهدى الموعود، عليه السلام، أعرضوا عنه ونبذوه وراء ظهورهم وما وفقهم الله نقل اسمه الشريف من جهة سوء سريرتهم و عداوتهم لخاتم الأولياء. وأما ما قاله الشيخ الكبير: (ومثل ما قيل في حق أبى بكر إنه خليفة رسول الله) خارج عن محل البحث، لأن الكلام في خليفة الله، أي من عينه الله، إما بالواسطة أو بلا واسطة. وأنت تعلم أن أبا بكر لم يكن خليفة الرسول، صلى الله عليه و آله، لأن أهل السنة أجمعوا على أنه مات رسول الله وما عين خليفة، وما أوجب على الأمة تعيينها. ونحن نقول إن عليا، عليه السلام، هو الإمام الذي ورث الخلافة عن النبي.
والدليل على خلافته عن النبي والأدلة على خلافته عن الله بعد وفات النبي لا تعد ولا تحصى. وهو، عليه السلام، أحد الثقلين اللذين أمر الله الأمة باتباعهما ولن يفترقا. بناء على ما حققناه، أن إطلاق خليفة الرسول على أبى بكر، وعلى الثاني والثالث، مغائر لإطلاق الخلافة، أو الإمامة، على هارون وغيره من الأولياء في الأمم السابقة، وإطلاق الإمام أو الخليفة على على بن أبي طالب والعترة الطاهرة، عليهم السلام، في الدورة الإسلامية.
(١٠٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1088 1089 1090 1091 1092 1093 1094 1095 1096 1097 1098 ... » »»