شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٦٤
هذه النشأة العنصرية والصورة الطبيعية. وإما مؤمن بالرسل وأهل الكشف، مسلم أمره إليهم منقاد بأوامرهم: فإن كان صاحب تجل، فهو عارف بشهوده حقيقة ما قلناه من أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه. والمؤثر في جميع الحضرات الكونية والإلهية هو الله، والمؤثر فيه في كلها هو الأعيان، ولا بد أن يسند كلا منهما إلى أصله. وإن كان مؤمنا بالرسل والأولياء، فيؤمن به كما ورد في الصحيح: (أن العبد لا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه...) - الحديث. (ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.) المراد ب‍ (الصورة) الصورة التي تجلى بها الحق في النوم. أو صورة الرسل. أي، و لا بد أن يحكم الوهم بحقيقة ما أدركه وشاهده من الصورة المرئية في النوم، أو اليقظة، على العاقل المؤمن بالرسل، الطالب تحقيق ما أتاه الحق من هذه الصورة المثالية، أو الصورة الكاملة الإنسانية، من الآيات والأخبار الدالة على تجليات الحق بالصور الحسية والمثالية. لأن هذا العاقل مؤمن بأن تلك الصورة المرئية صورة الحق. أو بالرسل والشرائع المنزلة بالتنزيه الذي يحكم به العقل، والتشبيه الذي يحكم به الوهم.
(وأما غير المؤمن، فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه.) أي، وأما العاقل الذي لا إيمان له بالرسل والشرائع، و هو صاحب العقل المشوب بالوهم، فيحكم على بطلان ما حكم به الوهم من إثبات الصور على الله بالوهم الذي هو مشوب بعقله. لأن العقل إذا تنور بنور الكشف، أو الإيمان، يدرك ما هو الأمر عليه، وعند عدم الإيمان بالشرائع لا يخلص عن حكم الوهم، فيتخيل أن ما أعطاه التجلي في الرؤيا من الصورة مستحيل، لما أعطاه نظره الفكري ذلك، فأبطل حكم الوهم بتوهمه الفاسد، و هو لا يشعر بذلك لعدم علمه بنفسه وأحكامها.
(ومن ذلك قوله تعالى: (أدعوني أستجب لكم). قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني). إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من
(١٠٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 1066 1067 1068 1069 ... » »»