شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٠٥
ويمكن أن يحمل على معنى آخر. وهو أن البعيد، الذي هو الشيطان، قريب منى لحكمة في. أي، لمعنى حاصل في باطني، وهو أن الشيطان أيضا مظهر من المظاهر الحقانية، والمظهر قريب من الظاهر فيه. فالبعيد الذي هو الشيطان في نظري قريب من الحق الذي هو ظاهر في صورتي.
ولما قال البعيد منى قريب - كأن القائل يقول: كيف يكون البعيد قريبا منه؟
- فقال: (وقد علمت أن القرب والبعد أمران إضافيان، (24) فهما نسبتان، لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامهما في القريب والبعيد) ألا ترى أن الحق تعالى إذا تجلى لعين من الأعيان، يقرب منه كل بعيد، فيشاهده شهودا عيانيا، كما يقرب البعيد بالمسافة من عين الناظر إليه. وإذا خفى عن عين، يبعد منه كل قريب لغلبة الظلمة واستيلائها عليها، مع أن هويته تعالى في هوية كل عين. فالقرب والبعد أمران إضافيان بالنسبة إلى الأعيان واستعداداتها.
(واعلم، أن سر الله في أيوب الذي جعله الله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاكيا، تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه، فتلحق بصاحبه تشريفا لها.) أي، السر في قصة أيوب، عليه السلام، الذي جعل الله عينه مع أحوالها، عبرة لنا وكتابا مسطورا مقروا بلسان الحال، ما كتب فيها يقرؤه عرفاء هذه الأمة المحمدية، لتعلم ما فيه من الأسرار. وهو إظهار الماء المطهر للظاهر والباطن من أرض نفوسهم، وطلب الفناء في الله وتحمل المشاق والصبر على المجاهدات، فتلحق بمقامه، فيكون هذا الإخبار تشريفا لها.
(فأثنى الله عليه، أعني على أيوب عليه السلام، بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه. فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه، لا يقدح في صبره.) بل عدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند أهل الطريقة، لأنه كالمقاومة مع الله ودعوى

(24) - قوله: (أمران إضافيان) أي، يمكن أن يكون شئ قريبا من وجه، بعيدا من وجه آخرا، و قريبا من شخص، بعيدا عن شخص آخر. أو قريبا في نظر، بعيدا في نظر آخر. (الإمام الخميني مد ظله)
(١٠٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1000 1001 1002 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1011 ... » »»