شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٠٧
ليس كذلك. فإن الرضا بالقضاء لا يقدح فيه الشكوى إلى الله، ولا إلى غيره، وإنما يقدح في الرضا بالمقضى. ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضى، والضر هو المقضى، ما هو عين القضاء) أي، وإنما منع هذه الطائفة عن الشكاية نظرهم في أن من يكون شاكيا لا يكون راضيا بالقضاء، سواء كانت الشكاية إلى الله، أو إلى غيره. و وليس كذلك. لأن القضاء حكم الله في الأشياء على حد علمه تعالى بها، وما يقع في الوجود المقضى به، الذي يطلبه عين العبد باستعداده من الحضرة الإلهية، ولا شك أن الحكم غير المحكوم به والمحكوم عليه، لكونه نسبة قائمة بهما. فلا يلزم من الرضا بالحكم الذي هو من طرف الحق الرضا بالمحكوم به، ومن عدم الرضا بالمحكوم به لا يلزم عدم الرضا بالحكم.
وإنما لزم الرضا بالقضاء، لأن العبد لا بد أن يرضى بحكم سيده. وأما المقضى به فهو مقتضى عين العبد، سواء رضى بذلك، أو لم يرض. كما قال: (من وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
ولو قال قائل: المقضى به لازم للقضاء، وعدم الرضا باللازم الذي هو المقضى به يوجب عدم الرضا بملزومه الذي هو القضاء.
نقول: إن القضاء هو الحكم بوجود مقتضيات الأعيان وأحوالها، فوجودها لازم للحكم لأنفسها.
(وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى الله في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي. وهو جهل بالشخص إذا ابتلاه الله بما تتألم منه نفسه، فلا يدعو الله في إزالة ذلك الأمر المولم، بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله في إزالة ذلك عنه، فإن ذلك إزالة عن جناب الله عند العارف صاحب الكشف.) لأنه هويته هوية الحق، فالإزالة عن نفسه إزالة عن الحق تعالى ما يؤذيه.
(فإن الله تعالى قد وصف نفسه بأنه يؤذى به) على المبنى للمفعول. (فقال:
(إن الذين يؤذون الله ورسوله). وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه؟
أو عن مقام إلهي لا تعلمه؟) أي، الابتلاء إنما يحصل للعبد بسبب الغفلة عن الله، أو عن حضرة من حضراته الكلية، وذلك من غيرته على عبده، فابتلاؤه إياك من
(١٠٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1002 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1011 1012 1014 ... » »»