شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠١٤
(عندك بيتا في الجنة) فأكرمه الله بأن قضى حاجته وسماه بصفته) ضمير (بصفته) عائد إلى (يحيى). أي، سمى يحيى بصفته التي هي الإحياء. (حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا، لأنه، عليه السلام، آثر بقاء ذكره في عقبه، إذ الولد سر أبيه، فقال: (يرثني ويرث من آل يعقوب). وليس ثم موروث في حق هؤلاء الأنبياء إلا مقام ذكر الله والدعوة إليه.) وإنما آثر بقاء ذكر الله في عقبه، لأن الأنبياء، عليهم السلام، رحمة على العالمين، فطلب الولد ليكون ظاهرا على سره، فيذكر الله و يدعو الخلق إليه - كما كان قلبه ذاكر الله دائما - وداعيا إلى الله عباده. فالعلة الغائية من طلب الولد إظهار أعلام الله وإفشاء أحكامه وإظهار أسمائه وصفاته، والقيام بتكميل الخلائق وإيصال المستعدين إلى حقيقة الحقائق التي هي منبع الرحمة.
لذلك قال: (يرثني ويرث من آل يعقوب). وميراثهم النبوة والولاية والدعوة إلى الهداية والإبعاد عن الضلالة (3)

(3) - واعلم، أن سنة الله جرت من لدن آدم، عليه السلام، إلى خاتم الأنبياء، على وجود نبي أحيا ذكر من تقدم عليه، وإن كان لبعض الأنبياء ورثه ولى أحيا ذكر من سبق عليه.
قال العارف الفاضل، عبد الغنى النابلسي، (م 1143) في شرحه النافع المسمى ب‍ (جواهر النصوص) في بيان شرح قول الشيخ (كذلك الأنبياء): (كموسى، عليه السلام، حيى ذكره بعد موته بفتاه، يوشع بن نون، وكان رباه موسى، عليه السلام. وكداود أحيا الله ذكره بولده، سليمان، عليهما السلام، فعمر (بيت المقدس) ولم تستقم عمارته بيد داود، كما مر ذكره. وكإبراهيم أحيا ذكره بابنيه، إسماعيل وإسحق. ولهذا قال:
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربى لسميع الدعاء). ويعقوب أحيا الله ذكره بيوسف. ونبينا، صلى الله عليه وسلم، بعلي، كرم الله وجهه، لأنه باب الأعظم لمدينة علمه، كما قال، عليه السلام: (أنا مدينة العلم وعلى بابها). ومما نقلناه، أو ذكرناه، يظهر أن عليا كان وصيه وخليفته ووارث علومه وأحواله ومقاماته، لإنه قال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لعلى: (أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي). والدليل النقلي على وراثته وولايته، وأنه أفضل الناس وأقربهم إلى رسول الله، لا تعدو لا تحصى. قال رسول الله على ما رواه الفريقين: (إن الله جعل ذريتي في صلب على بن أبي طالب). وورد أيضا: (كل بنى أنثى تمات عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم). (ج)
(١٠١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1007 1008 1009 1011 1012 1014 1015 1016 1017 1018 1019 ... » »»