شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٨٨
وإضافتها إلى الكلمة (الأيوبية) لنزول الخطاب في حقه. فالمراد بالحكمة (الغيبية) ظهور الحق له بالسلوك والرياضة والطاعة والعبادة، وحصول ماء الحياة التي هي في عين الظلمات بالصبر في أنواع البلايا والمحن الواقعة في نفسه وأهله و أمواله وأولاده، فكان كلها رفعا لدرجاته وتحصيلا لكمالاته وترقيا في حالاته و تجلياته، لشهوده المبلى والممتحن في عين البلايا والمحن، وصبر به على مقاساة الشدائد ومتاعبها، ولم يشتغل بإزالتها ومداراتها حتى وصل في عين القرب من الرب وحصل في مقام الأنس برفع وحشة الطلب، فنادى: (إني مسني الشيطان بضر). فكشف الله عنه ضره وطهر عن أدناس الموانع سره.
لا يقال: إنما سمى حكمته (غيبية) لأن أموره كلها ما ظهرت إلا من الغيب أولا وآخرا. لأن أهل العالم كلهم لا يظهر أمورهم إلا من الغيب، فلا اختصاص حينئذ (1)

(1) - وما ذكره الشارح العلامة بقوله: (لا يقال...). فمدفوع بأن المراد أن أمور الأيوب، عليه السلام، أولا وآخرا ظهرت من الغيب من غير سبب معهود وموجب مشهود، و أهل العالم لا يظهر أمورهم في الأكثر إلا بأسباب معهودة وموجبات مشهودة، فظهر حينئذ الإختصاص، وظهر أيضا عدم توجه الشارح العلامة بما ذكره شيخه وأستاذه، كمال الدين الكاشاني، وعدم رجوعه إلى ما حققه الشارح الأول لكتاب الفصوص. و نحن نذكر ما ذكره الشارح الجندي على سبيل التخليص ونقول: قال المؤيد الجندي في أول هذا الفص: (لما كانت أحواله، عليه السلام، في زمان الابتلاء وقبله وبعده غيبية، أسندت هذه الحكمة (الغيبية) إلى الكلمة (الأيوبية). وأما قبل زمان الابتلاء، فلأن الله تعالى أعطاه من الغيب بلا كسبه ما لم يعط أحدا، من المال والبنين والزرع والضرع والخول والعبيد. وأما في زمان الابتلاء، فلأنه كان يصعد له من الأعمال الزاكية مثل ما يصعد من أهل الأرض أو أوفى. فغار عليه الإبليس وبنوه وفصده بالأذية، هو وذووه. والقصة مشهورة. وهو، عليه السلام، مع كثرة الأموال والبنين والبنات والزرع والضرع والمواشي كان يشكر الله كثيرا. فألقى عليه اللعين: إنه لو كان في حال الابتلاء والفقر صبورا و شكورا، لكان أعظم قدرا وأعلى مكانة. وقد ابتلى، عليه السلام، بالفقر وموت الأبناء والأولاد وإعراض جل أهله وذويه. وبعد غيبة أهله وابتلائه بالفقر، مسه الشيطان بضر في نفسه وهجمت عليه، عليه السلام، الآلام والأسقام، وتولد الدود في جسمه. وهو، عليه السلام، عرف السر بنور النبوة، ولم يجزع، وتوجه بتمام وجوده إلى الحق وصبر على المصائب، وكان عبدا شكورا مقبلا إلى الحق. وكان ابتلاؤه من غير الأسباب المعهودة والعادية. وأما رفع ابتلائه ودفع آلامه وأسقامه ورد ما أخذه الله عنه من البنين والبنات، كل ذلك كان من قوة إيمانه بالحق وثقته بما ادخره الله في خزائن غيبه وفتح الله له من غير الأسباب والعلل المعهودة. ولهذا صدر الشيخ الكبير الفص الخاص به، عليه السلام، بالحكمة (الغيبية). (ج)
(٩٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 983 984 985 986 987 988 989 991 992 993 994 ... » »»