شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٧٤
والزمان، متغير بتغيرات الأزمان والأكوان، فتم لها العالم العلوي الروحاني والسفلى الجسماني، فصارت خليفة في ملكها مدبرة لرعاياها. ولهذا المعنى أورد الشيخ، رضى الله عنه، بعد الحكمة (السليمانية) و (الداودية): تتميما لما يتعلق به الخلافة.
وإنما قارنها بالكلمة (اليونسية)، لأنه كما ابتلاه الله بالحوت في اليم، كذلك ابتلى النفس بالتعلق في الجسم. وكما أنه نادى في الظلمات: (أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). قال تعالى فيه: (ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). كذلك توجهت النفس أيضا في عين ظلمات الطبيعة والبحر الهيولاني والجسم الظلماني إلى ربها، فانكشف لها وحدانية الحق وفردانيته، فأقرت بها واعترفت بعجزها وقصورها، فأنجاها الله من مهالك الطبيعة، و أدخلها في أنوار الشريعة والطريقة والحقيقة في مقابلة الظلمات الثلاث، (5) ورزقها النعيم الروحاني في عين الجحيم الجسماني. ولمناسبات أخر بين النفس وبينه من ابتلاع حوت الرحم النطفة المشتملة على روحانية النفس المجردة وأنوارها وكونها في الظلمات الثلاث التي هي الرحم والمشيمة والجلد الرقيق الذي فيه الجنين و غيرها من المعاني الجامعة بينهما التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم.
فهذه الحكمة حكمة (نفسية)، بسكون (الفاء). وقيل: نفسية، بفتح (الفاء) (6)، لما نفسه الله بنفسه الرحماني من كربه الذي لحقه من جهة قومه وأولاده، وغير ذلك مما جرى له في بطن الحوت. وليس في تقرير هذه الحكمة ما يدل عليه.
والله أعلم بالمراد (7)

(5) - أي، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. (ج) (6) - والقائل شيخه وأستاذه، كمال الدين عبد الرزاق. وبه صرح الشارح الأول للفصوص. و كان الواجب على الشارح التأمل الدقيق فيما ذكره الشارح الجندي وأستاذه العارف الكاشاني. (ج) (7) - وجه اختصاص الكلمة (اليونسية) بالحكمة (النفسية) ما في أصل حقيقة النفس وكنه قابليتها من أنها ما لم تتنزل من معارج أعالي القدس ومطالع أنوار الجبروت إلى مهاوي أسافل بحور الجسم وظلمات حيتان الأمزجة، وهبوطها من أعلى درجات الجبروت إلى أسفل السافلين لم يحصل لها استعداد الترقي إلى مراقي القرب بالخطاب والمناداة حتى فاز في عين تلك الظلمات في حضرة الحضور والتسبيح الجمعي في مجلي الخطاب إلى أن نفسه الله من كربه ونجاه من تعبه. فعلم أن للكلمة (اليونسية) اختصاصا بمادة حروف (النفس)، بفتح (الفاء)، أو (النفس)، بسكون (الفاء). فإن جهة الامتياز بين المادتين إنما هو (الفاء) و (الواو). وذلك متقاربان لفظا ومخرجا، وإنما يفترقان بالاتصال الموجب للخفاء والانفصال الحاكم في الظهور (بالظهور). قال الشارح المحقق، مؤيد الدين الجندي، قدس الله سره، في شرحه: (ووجدت بخط الشيخ المصنف (رض) مقيدا بفتح (الفاء) في (النفس)، فصححنا النسخ به، وكان عندنا بسكون (الفاء) (شرح جندي، ط حقير نگارنده، ص 559) قال العارف المؤيد: (إنما أضيفت الحكمة (النفسية) إلى الكلمة (اليونسية) لما نفس الله بنفسه الرحماني عنه كربه التي ألبت عليه من قبل قومه وأهله وأولاده، ومن جهة أنه (كان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم). فلما سبح واستغفر واعترف: (فنادى أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فنفس الله عنه كربه ووهبه أهله وسر به. قال تعالى: ف‍ (نجيناه من الغم فكذلك ننجي المؤمنين). قال الشارح الجامي: (لما نفس الله بنفسه الرحماني عن كرب يونس، عليه السلام، بتخليص نفسه القدسية عن توهم خراب صورته الجسمانية وعدم نشأته العنصرية المانعين لها عن الوصول بكمالها حين ألقاه من بطن الحوت إلى ساحل اليم، وصف حكمته ب‍ (النفسية) بسكون (الفاء)، كما ذهب إليها أكثر الشارحين أو (النفسية)، بفتحها، كما تشهد بها النسخة المقروة على الشيخ (رض)). (ج)
(٩٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 968 969 970 971 973 974 975 976 977 978 979 ... » »»