شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٧٦
فسمى الملك (أمرا)، لكونه موجودا بالأمر كما يسمى عالم الأرواح ب‍ (الأمر).
(ومن تولاها بغير أمر الله، فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب ما أمر الله تعالى بعمارته.) ضمير (تولاها) (النشأة). أي، من تولى حل نظام هذه النشأة الإنسانية بغير أمر الله، أي بغير الأمر الشرعي - لا أمر المشيئة، فإن ذلك محال إذ لا يقع شئ إلا بالمشيئة - وتعدى حدود الله التي وضعها في محافظة النشأة الإنسانية وسعى في خراب هذه النشأة التي أمر الله بعمارتها، فقد ظلم نفسه. كما قال: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه). فجواب الشرط مقدر بعد الجمل الثلاث.
(واعلم، أن الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة (8) في الله.) أي، من القتل بالغيرة في الله.
(أراد داود بنيان البيت المقدس، فبناه مرارا. فكلما فرع منه تهدم فشكى ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه أن بيتي هذا، لا يقوم على يدي من سفك الدماء. فقال داود: يا رب، أ لم يكن ذلك) أي، ذلك القتل. (في سبيلك؟ قال: بلى، ولكنهم أليسوا عبادي؟ فقال: يا رب، فاجعل بنيانه على يدي من هو منى. فأوحى الله إليه: إن ابنك سليمان يبنيه. فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الإنسانية، وأن إقامتها أولى من هدمها. ألا ترى عدو الدين قد فرض الله في حقهم الجزية والصلح، إبقاء عليهم، وقال: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).) أي، إن مالوا إليك للإنقياد والصلح معك، فمل إليهم وأعطهم ما سألوك. وضمير (لها) عائد إلى (السلم) لأنه مؤنث سماعي.
(ألا ترى من وجب عليه القصاص، كيف شرع لولى الدم أخذ الفدية أو العفو، فإن أبى فحينئذ يقتل. ألا تراه سبحانه، إذا كان أولياء الدم جماعة، فرضي واحد بالدية أو عفى (9) وباقي الأولياء لا يريدون إلا القتل، فكيف يراعى من عفى و

(8) - أي الانتقام.
(9) - عفا.
(٩٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 970 971 973 974 975 976 977 978 979 980 981 ... » »»