يرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا. ألا تراه، عليه السلام، يقول في صاحب النسعة: (إن قتله كان مثله).) (النسعة) حبل عريض، كالحزام. وكان في زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قتل واحد، فوجد وليه نسعته، أي حبله على يد شخص، فقصد قتله. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن قتله كان ظالما مثله). فإن مجرد وجود النسعة لا يوجب القتل ولا يثبت القصاص.
(ألا تراه تعالى يقول: (وجزاء سيئة سيئة مثلها). فجعل القصاص سيئة، أي، يسوء ذلك القتل مع كونه مشروعا. (فمن عفا فأصلح، فأجره على الله) لأنه على صورته.) أي، لأن المعفو عنه، على صورة الحق. (فمن عفا عنه ولم يقتله، فأجره على من هو.) أي، المعفو عنه. (على صورته) وهو الحق. (لأنه أحق به، إذ أنشأه له.) أي، لأن الحق أحق بالعفو من عبيده، (10) إذا أنشأ العبد لأجل نفسه حتى يظهر أسماؤه وصفاته به، كما قال: (يا بن آدم خلقت الأشياء لأجلك، و خلقتك لأجلي). فلما لم يعف عنه وأمر بالقصاص منه، مراعاة للنسل وبقائه، وقع أجر من عفا عنه عليه ليعطيه الجنة ويعفو عن ذنوبه ويغفر سيئاته.
(وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده.) أي، وما ظهر الحق بالاسم (الظاهر) إلا بوجود العبد، فمن عفا عنه وأحسن إليه، وجب أجره على الله.
(فمن راعاه) أي، راعى الإنسان. (فإنما يراعى الحق.) لأنه مظهره و اسمه الظاهر.
(وما يذم الإنسان لعينه، وإنما يذم لفعله، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.) أي، ليس الإنسان مذموما من حيث إنه إنسان، بل من حيث أفعاله الذميمة يذم، وفعله ليس عينه، فلا يبطل عينه ولا يخرب وجوده لفعله.
(ولا فعل إلا لله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.) لأن الفعل مبدأه الصفات، ومبدأ الصفات هو الذوات، والذوات ليست إلا عين الوجود المتعين، والوجود هو الحق. فالكل مستهلك في عين ذاته تعالى، فهو الفاعل