بحكم (وأشرقت الأرض بنور بها). ويعده إلى التجليات الصفاتية والأسمائية ثم الذاتية، فيفنى العبد في الحق، فيذكر الحق نفسه بما يليق بجلاله وجماله، فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذكرا بارتفاع الإثنينية وانكشاف الحقيقة الأحدية.
واعلم، أن حقيقة (الذكر) عبارة عن تجليه لذاته بذاته من حيث الاسم ( المتكلم) إظهارا للصفات الكمالية ووصفا بالنعوت الجلالية والجمالية في مقامي جمعه وتفصيله، كما شهد لذاته بذاته في قوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو). وهذه الحقيقة لها مراتب: أعلاها وأولاها في مقام الجمع من ذكر الحق نفسه باسمه (المتكلم) بالحمد والثناء على نفسه. وثانيتها، ذكر الملائكة المقربين، وهو تحميد الأرواح وتسبيحها لربها. وثالثتها، ذكر الملائكة السماوية والنفوس الناطقة المجردة. ورابعتها، ذكر الملائكة الأرضية والنفوس المنطبعة مع طبقاتها.
وخامستها، ذكر الأبدان وما فيها من الأعضاء. وكل ذاكر لربه بلسان يختص به.
وإليه أشار بقوله: (فإن ذكر الله سار في جميع أجزاء العبد) أي، لا يعلم قدر هذه النشأة إلا من ذكر الله الذكر المطلوب، فإن ذكر الله سار في جميع أجزاء العبد:
روحه وقلبه ونفسه وجميع قواه الروحانية والجسمانية، بل في جميع أعضائه.
وذلك السريان نتيجة سريان الهوية الإلهية الذاكرة لنفسها بنفسها. وإن جعلنا الإضافة إلى الفاعل، فمعناه: أن ذكر الحق لنفسه ومظاهره سار في جميع أعضاء العبد، وذلك الذكر سبب وجودها وحصول كمالاتها. فينبغي أن يذكره العبد أيضا بجميع أجزائه أداء لشكر نعمه.
(لا من ذكره بلسانه خاصة. فإن الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة، فيراه اللسان من حيث لا يراه الإنسان بما هو راء) أي، يراه اللسان بالبصر الذي يخصه، ولا يراه الإنسان من حيث روحه وقلبه لغفلته. وفيه إشارة إلى أن لكل شئ نصيبا من الصفات السبعة الكمالية: يسمع به ويبصر به و ينطق. ولما كان الحيوان يبصر بالبصر ويسمع بالسمع - وليس رؤية اللسان و سمعه بالبصر والسمع بل بروحانية مختصة به وليس هذا المقام موضع بيانه - أجمل فقال: (بما هو راء)