شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٣٨
ذلك المرور والمتابعة، كمتابعتنا للرب في قوله تعالى: (وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم). وامتناع مفارقتنا منه لكون نواصينا في يده.
فقوله: (ذلك) مبتدأ، خبره: (كما كنا نحن). ولا يتوهم أنه مفعول لقوله: (معتقدة).
(فنحن معه بالتضمين، وهو معنا بالتصريح. فإنه قال: (وهو معكم أينما كنتم). ونحن معه لكونه آخذا بنواصينا.) لما كان كل ما هو مشهود ومحقق عين الوجود الحق، والأعيان باقية على حال عدمها، أو موجودة بالوجود، و كان الحق معنا ظاهرا صريحا، وأعياننا معه باطنا وضمنا. هذا في التحقق. و كذلك في المشي على الصراط المستقيم: فإنه يكون على الصراط صريحا، ونحن عليه بالتبعية، لأنه ليس في الوجود غيره، وأعياننا العدمية على ذلك الصراط بتبعيته وفي ضمن وجوده، لكونه آخذا بنواصينا.
(فهو تعالى مع نفسه حيث ما مشى بنا من صراطه. فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم، وهو صراط الرب تعالى.) أي، إذا كان كل ما هو مشهود عين الحق، فالحق مع نفسه حيث ما كان، إذ ليس هويتنا إلا وجودا متعينا، والوجود عين الحق، فهو مع نفسه لا مع غيره، وهو على صراط مستقيم، فما أحد من العالم إلا وهو على صراط مستقيم. وهو صراط الرب أي، صراط اسم (الرب)، إذ لكل اسم صراط خاص موصوف بالاستقامة بالنسبة إلى ذلك الاسم، وصراط الله هو المستقيم المطلق الجامع للطرق كلها، وله الربوبية الكاملة. لذلك قال تعالى: (الحمد لله رب العالمين).
(وكذا علمت بلقيس من سليمان، فقالت: (لله رب العالمين). وما خصصت عالما من عالم.) أي، علمت بلقيس أن سليمان مع الله بالتبعية، فتبعته لتكون مع الله بالتبعية. وما خصت في قولها: (رب العالمين) عالما من عالم، ليكون لها نصيبا من الربوبية في العوالم كلها، فإن الله يرب جميع العالمين وهي بالتبعية معه.
(وأما التسخير الذي اختص به سليمان، عليه السلام، وفضل به غيره و
(٩٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 933 934 935 936 937 938 939 940 941 942 943 ... » »»