شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٣٩
جعله الله له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، فهو كونه عن أمره.) أي، فهو وجود الشئ حاصلا بأمره. (فقال: (فسخرنا له الريح تجرى بأمره). فما هو) أي، فليس ذلك الاختصاص. (من كونه تسخيرا، فإن الله يقول في حقنا كلنا من غير تخصيص:) بأحد منا، سليمان كان أو غيره. ((وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه). وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك، ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر الله. فما اختص سليمان إن عقلت إلا بالأمر من غير جمعية، ولا همة، بل بمجرد الأمر. وإنما قلنا ذلك، لأنا نعلم أن أجرام العالم تنفعل بهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعية. وقد عاينا ذلك في هذا الطريق، فكان من سليمان مجرد التلفظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير جمعية ولا همة.) والمقصود هو أن اختصاصه بالتسخير هو التسخير بالأمر المجرد، من غير جمعية القلب والعزيمة بالهمة، ولا بالمعاونة بالأرواح الفلكية، ولا بخواص الأمور الطبيعية والأسماء الإلهية و غيرها. فأمره في التسخير كان قائما مقام أمر الله. وبذلك اختص.
(واعلم، أيدنا الله وإياك بروح منه، أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد، أي عبد كان، فإنه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته، (25) ولا يحسب عليه، مع كون سليمان عليه السلام طلبه من ربه (26) فيقتضى ذوق الطريق أن يكون قد عجل له ما ادخر لغيره

(25) - فلا يخالف استجابة دعاء ما ادخر له ولغيره في الآخرة. فإن ذلك لسليمان ولغيره من المؤمنين بحاله، ما ينقصه شئ. (ج) (26) - والشيخ أشار إلى دفع شبهة ربما يختلج إلى الأذهان. وهو أن استجابة دعاء سليمان، عليه السلام، يقتضى أن لا يكون بعده لأحد مثل ما أعطى له من الملك. وهذا خلاف ما تقرر من أمر خاتم الولاية وما ثبت أن لكل أحد في الآخرة، من عوالم المؤمنين، أضعاف ما في الدنيا من الملك. وأزاح هذه الشبهة بقوله: (اعلم، أيدنا الله...). واعلم، أن تصرفات خاتم الأولياء، أعني المهدى الموعود، عليه وعلى آبائه السلام، أمر خارج مما زعمه الشيخ وشراح كلامه تخصصا. لأن السليمان علم من بركة وجوده منطق الطير. و الشيخ صرح بأن الفيض يصل منه إلى العالم، وأنه كان وليا وآدم بين الماء والطين، وكل نبي، من لدن آدم إلى الخاتم، يأخذ منه الأحكام، وإن كان يصل الفيض إلى هذا الخاتم من الحضرة المحمدية. وقد صرح الشيخ - على ما نقلنا عنه في (الفص الشيثي) - أن كل ولى ونبي، ومنهم خاتم الولاية العامة، أعني عيسى بن مريم، عليهما السلام، مختوم: مختوم بهذا الختم المحمدي الذي صرح النبي (ص) بإطلاق خلافته وأنه خليفة الله بقوله:
(إن لله خليفة، يملأ الأرض قسطا وعدلا)... (ج)
(٩٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 934 935 936 937 938 939 940 941 942 943 945 ... » »»