شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٣٦
فإنه أعلمها بذلك إصابتها في قولها: (كأنه هو)). أي، نبهها على أن حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها للآخر: أما العرش، فلأنه انعدم، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم. وأما الصرح، فلأنه من غاية لطفه وصفائه صار شبيها بالماء الصافي مماثلا له، وهو غيره. فنبهها بالفعل على أنها صدقت في قولها:
(كأنه هو). فإنه ليس عينه بل مثله. وهذا غاية الإنصاف من سليمان، فإنه صوبها في قولها: (كأنه هو). وهذا التنبيه الفعلي كالتنبيه القولي الذي في سؤاله بقوله: (أهكذا عرشك). ولم يقل: أ هذا عرشك.
(فقالت عند ذلك: (رب إني ظلمت نفسي)) أي، بالكفر والشرك إلى الآن.
((وأسلمت مع سليمان) أي، إسلام سليمان لله رب العالمين) أي، والآن أسلمت مع سليمان، أي، كما أسلم سليمان لله رب العالمين. و (مع) في هذا الموضع ك‍ (مع) في قوله هو: (لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه). وقوله: (وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه). ولا شك أن زمان إيمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان إيمان الرسول. وكذلك إسلام بلقيس ما كان عند إسلام سليمان.
فالمراد: كما أنه آمن بالله، آمنت بالله، وكما أنه أسلم، أسلمت لله.
(فما انقادت لسليمان، وإنما انقادت لرب العالمين، وسليمان من العالمين. فما تقيدت في انقيادها، كما لا يتقيد الرسل في اعتقادها في الله.) أي، انقيادها كان لله حيث قالت: (أسلمت لرب العالمين). وما قالت: أسلمت لسليمان. ولا تقيدت في انقيادها لله برب دون رب، بل بالرب المطلق، وهو رب العالمين، رب سليمان وغيره من أهل العالم، كما لا يتقيد الرسل برب دون رب. وهو المراد بقوله: (في اعتقادها في الله). وذلك لأنهم أولياء كاملون عارفون بمراتب الحق و ظهوراته في المظاهر وبربوبيته بجميع الأسماء. وتقيدهم بالشرائع المقتضية للربوبية ببعض الأسماء، إنما هو بأمر الحق وتقييده. فهم مقيدون بما يقتضى ظواهر الشرائع بحسب ظواهرهم وكونهم أنبياء مرسلين. وأما بحسب بواطنهم وكونهم أولياء، فلا تقيد لهم، لشهودهم الحق في جميع المقامات وربوبيته في كل المواطن.
(٩٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 931 932 933 934 935 936 937 938 939 940 941 ... » »»