شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٣٤
الوجهين صحيح. ويدل على صحتهما ما قال في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم:
(وإنما كان للمصيب أجران). لكونه أصاب في الحكم وبذل جهده فيه، فصار في مقابلة الإصابة أجر، وفي مقابلة بذل الجهد أجر. لذلك جعل للمخطئ أجر واحد، لأنه بذل جهده فاستحق أجره (مع كونه حكما وعلما) أي، مع كون حكم المخطئ فيما اجتهد فيه علما بحسب الشرع، وحكما واجب العمل به إلى حين ظهور خطائه وهو زمان المهدى، عليه السلام. لذلك ترتفع المذاهب فيه و يصير مذهبا واحدا.
(فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان في الحكم ورتبة داود، عليهما السلام. فما أفضلها من أمة.) أما رتبة سليمان، فبالإصابة في الحكم، كما أصاب فيه. وأما رتبة داود، فبالاجتهاد، (23) وإن وقع خلاف ما في علم الله (24)

(23) - قوله: (وأما رتبة داود فبالاجتهاد). ليس علم الأنبياء بالأحكام من قبيل الاجتهاد، فإنهم، عليهم السلام، يستكشفون الحقائق من الاطلاع على ما في الحق، أو اللوح المحفوظ، حسب مراتبهم. وليس (النسخ) من قبيل كشف خطأ النبي السابق، بل الحكم في زمن النبي السابق كان بالنسبة إلى الأمة ما حكم به ذلك النبي، و (النسخ) عبارة عن استكشاف حد الحكم السابق، لا رفع الحكم المطلق. إلا أن كشف الشيخ يقتضى أن يكون داود، بل الأنبياء المرسلون، مخطئين في أحكامهم، وقوم نوح وسائر الكفار، كفرعون، عرفاء شامخين قد (الامام الخميني مد ظله) (24) - نعوذ بالله من سوء الأدب قد قال الشارح في رسالة التوحيد والنبوة والولاية: (ولا بد أن يرتفع الاختلافات الموجودة بين المجتهدين، ويجعل المهدى، عليه السلام، الحكم المختلف في كل مسألة حكما واحدا، كما كان الأمر في زمان رسول الله، صلى الله عليه و سلم. وهو يأخذ من الله، لشهوده الأمر على ما هي عليه، لارتفاع الحجاب عن عيني جسمه وقلبه، كما كان في زمان رسول الله (ص). واعلم، أن كشف الشيخ انجر أمره إلى أن جعل الكمل من الأنبياء مخطئين في الأحكام الشرعية قد وجعل (النسخ) من باب الخطاء للمرسلين قد وجوز انعدام الصور والمواد وإيجاد الأجسام المادية من دون مادة سابقة قد يجب أن يعلم أنه لا يجوز في طور التحقيق الإعدام والإيجاد، بمعنى الإماتة والإحياء، لأن الرجوع إلى الدنيا وتعلق النفس بالبدن عبارة عن التمثل بالبدن الحسى، وأن تعلق الأرواح بالأجساد إنما يكون في الآخرة، وهو حقيقة المعاد. وأما التعلق بالبدن في الدنيا، تناسخ باطل. ويمكن إرجاع الإعدام والإيجاد بالفناء الحاصل للنفوس في الآخرة بالأسماء التي يظهر في المظاهر الأخروية، ثم إحيائها، أي إرجاعها، إلى الصحو، لأن يصل كل إنسان إلى ثمرات أعماله ونياته. وليس الأمر من قبيل إعادة المعدوم. وعند جمع من أصحابنا، قدس سرهم، (الرجعة) عبارة عن تعلق أرواح الكمل، من الأئمة والأولياء، بأبدانهم الدنيوية. وهذا القول باطل. وعلة بطلانه كثيرة. منها مفسدة التناسخ. وعند أبناء الحقيقة، من الإمامية، (الرجعة) عبارة عن تمثل أرواحهم المكرمة، عليهم السلام، بالأبدان الحسية، وأن تعلق أرواحهم بالأبدان أمر اختياري، وأن أرواحهم الطاهرة خلقت قبل الأبدان بألفي عام. وإلى ما قررناه يحمل الأحاديث الواردة الظاهرة في قدم الأرواح. وأن لسان مقامهم ومرتبتهم: (كنت وليا وآدم بين الماء والطين). بل لا ماء ولا طين. وبعض الأكابر، ومنهم أستاذنا الأقدم، ميرزا محمد رضا إصفهاني، على أن الرجعة إنما تصح بتمثل الأرواح بالأبدان المثالية. وأنت تعلم، إن تأملت في الروايات الواردة في (الرجعة)، تعلم بعضها متشابهة وبعضها ضعيفة، ومنها على أسلوب غريب.
ولكن يجب أن تعلم أن الاعتقاد بالرجعة مما لا ساد عنه في مذهب البرهان.
(٩٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 939 ... » »»