(ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). وإذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أن الحديث المذكور، المنقول عن أبى هريرة الكذاب الوضاع، وضع في مقابل الرواية المنقولة عن جمع من الصحابة. ومنهم ابن عباس والسلمان والحذيفة اليماني، وغيرهم من أكابر الصحابة، رضى الله عنهم، وصار متلقيا بالقبول عند الخاصة والعامة. وقد صرح جمع من العرفاء أن لكل نبي وصيا كان يحيى ذكره بعده. فإن آدم حيى ذكره بعد موته بشيث، وأن نوحا حيى ذكره بسام. وأن عليا هو الذي أحيا ذكر نبينا، عليهما السلام، لأنه ورد عنه، عليه السلام، بلا اختلاف: (أنا مدينة العلم وعلى بابها). والحديث الذي نقله الشيخ، في باب اللبن وإعطاء النبي فضله للثاني، مجعول جدا. لأنه يلزم أن يكون الأرزاق المعنوية، كالعلم، من قبيل الأرزاق الحسية التي لها فضلات غير قابلة للجذب ولا بد أن يدفع بالتخلية قد والحال أن الأرزاق المعنوية لا فضل لها حتى يمكن دفعها للغير. و إن النبي، عليه السلام، قد جذب حقيقة العلم كلها. مضافا إلى ذلك، لم ينقل أحد عن الثاني ما يدل على علمه قد وأما الدليل على جهله بالأحكام الفرعية، فضلا عن المعارف الحقيقية، كثيرة مذكورة في الكتب. قال الشارح المحقق، عبد الغنى النابلسي، في شرحه على هذا الكتاب في (فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية)، ط مصر، 1323 ه ق، ص 213: (ونبينا، صلى الله عليه وسلم، أحيا الله تعالى ذكره بعلي، كرم الله وجهه، لأنه باب لمدينة العلم النبوي. وورد أيضا أن الله جعل ذريتي في صلب على. وورد أن كل بنى أنثى تمات عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة (ع)). ثم قال: (فإن ذكر النبي (ص) بعلوم الأذواق ما ظهر إلا بعلي وأولاده (عليهم السلام)، فأحيى الله ذكره به، فإنه رباه فهو ولده. فإن علوم الصوفية وتلقين الذكر في طرقهم كلها راجع بالأسانيد إلى على (سلام الله عليه)).
واعلم، أن هذا الشارح صرح بأن الخلافة الإلهية وإقامة الحكومة الحقة تختص بعلي و أولاده. وبعد رحلة الحسن بن على (ع) صار الملك ملكا عضدا وسلطنة ظاهرة واختفت الخلافة النبوية. وستظهر، إنشاء الله، في آل البيت (ع)، في الإمام المهدى، فيبطل الملك وتبطل السلطنة في الإسلام، وتظهر الخلافة، فتمتلئ الأرض عدلا. واعلم، أن المراد من (السلطنة) الحكومة الجائرة، في مقابلة الحكومة والخلافة الإلهية المنصوصة من الحضرة النبوية، بل الإلهية. ويجب أن يعلم أن رسول الله قد صرح بانقطاع الخلافة الولوية (ع) و غروب شمس الإمامة وظهور الدول الجائرة الظالمة، ولا ينقطع إلا لظهور المهدى، عليه السلام. (ج)