شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٤٢
فيه لبن وإناء فيه خمر، فشرب اللبن. فقال له الملك: أصبت الفطرة، أصاب الله بك أمتك. فاللبن متى ظهر، فهو صورة العلم، تمثل في صورة اللبن، كجبرئيل تمثل في صورة بشر سوى لمريم.) إنما شبه ظهور العلم في الصورة اللبنية بظهور جبرئيل (ع) في الصورة البشرية لمريم، عليها السلام، لأن كلا منهما من عالم الحقائق المجردة المتعالية عن الصورة الحسية. ظهر بأمر الحق، ليحصل به مراد الله في العين الخارجية، وهو تكميل العباد.
(ولما قال، عليه السلام: (الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا). نبه على أنه كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم: خيال فلا بد من تأويله.) (الواو) في (ولما) عطف على (لما أسرى.) أي، نبه، صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث على أن الحياة الحسية حياة ظلية للحياة الحقيقية، والظل خيال. كما نبه في (الفص اليوسفي). فكل ما في الحس من الأشياء خيالات وصور لمعان غيبية و أعيان حقيقية، ظهرت في هذه الصور لمناسبة بينها وبين تلك الحقائق، فلا بد من تأويل كل ما يسمع ويبصر في العالم الحسى إلى المعنى المراد في الحضرة الإلهية. ولا يعلمه إلا العالمون بالله وتجلياته وأسمائه وعوالمه، وهم الراسخون في العلم.
فمن وفق بذلك وهدى، فقد أوتى الحكمة. (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا).
(إنما الكون خيال * وهو حق في الحقيقة كل من يفهم هذا * حاز أسرار الطريقة) يجوز أن يكون المراد ب‍ (الكون) عالم الصور. ويجوز أن يكون العالم بأسره، لأن العالم كله ظل للغيب المطلق وعالم الأعيان.
وقوله: (وهو حق) يجوز أن يكون ما يراد في مقابله الباطل. أي، هذا القول حق في الحقيقة، وكل من يفهم هذا المعنى وعرف تأويلات ما يشاهد في الكون، حاز أسرار السلوك إلى الله. ويجوز أن يكون الحق تعالى. ومعناه:
(٩٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 937 938 939 940 941 942 943 945 946 947 948 ... » »»