شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٤٣
أن الكون وإن كان خيالا باعتبار ظليته، لكنه عين الحق باعتبار حقيقته، لأنه عين الوجود المطلق، تعين بهذه الصور، فتسمى بأسماء الأكوان، كما أن الظل باعتبار آخر عين الشخص. وكل من يفهم أن الكون باعتبار ظل للحق وسوى و غير مسمى بالعالم، ويعلم أنه باعتبار آخر عين الحق، عرف أسرار السلوك والطريقة.
(وكان، صلى الله عليه وسلم، إذا قدم إليه لبن، قال: (اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه). لأنه كان يراه صورة العلم، وقد أمر بطلب الزيادة من العلم. وإذا قدم إليه غير اللبن، قال: (اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه). فمن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي، فإن الله لا يحاسبه به في الدار الآخرة، ومن أعطاه الله تعالى ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهي، فالأمر فيه إلى الله تعالى: إن شاء حاسبه به، وإن شاء لم يحاسبه به. وأرجو من الله في العلم خاصة أنه لا يحاسبه به.) أي، وأرجو من الله في العلم أنه لا يحاسب الطالب بالعلم الذي أعطاه في الدنيا.
(فإن أمره لنبيه، عليه السلام، بطلب الزيادة من العلم عين أمره لأمته، فإن الله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وأي أسوة أعظم من هذا التأسي لمن عقل عن الله. ولو نبهنا على المقام السليماني على تمامه، لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه. فإن أكثر علماء هذه الطريقة جهلوا حالة سليمان، عليه السلام، ومكانته، و ليس الأمر كما زعموا. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.) أي، ظنوا من أنه قدم اسمه على اسم الله واختار ملك الدنيا وطلب أن لا يكون ذلك لغيره. وهو أعظم مكانة عند الله مما قالوا في حقه، لأنه مظهر اسم (الرحمن) الذي هو جامع الأسماء.
ومطلوبه ملك لا يتعلق بالدنيا، لذلك نكره وتنكيره للتعظيم. والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة قد كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فليس الأمر كما قيل في حقه. والله الهادي.
(٩٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 938 939 940 941 942 943 945 946 947 948 949 ... » »»