شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٣١
ولما كانت ذاته تعالى مقتضية لشؤونه دائما، يكون تجلياته دائمة وظهوراته مستمرة، وشؤونه وتعيناته متعاقبة. وإنما قلنا (في زمان واحد) كما قال الشيخ أيضا، فكان زمان عدمه عين زمان وجوده، لأن أقل جزء من الزمان منقسم بالآنين، فيحصل في آن منه إيجاد وفي الآخر إعدام.
(ولا تقل (ثم) يقتضى المهلة، فليس ذلك بصحيح.) أي، لا تقل لفظة (ثم) الواقعة في قولك: (بل الإنسان لا يشعر أنه في كل نفس لا يكون، ثم يكون) مقتضى المهلة، فعدم الكون والكون لا يكون في زمان واحد. لأن (ثم) قد تجئ للتقدم كقوله: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان). وقوله: (ثم كان من الذين آمنوا). إذ لا مهلة بين خلق الأرض وخلق السماء، ولا بين إطعام المسكين وبين كونه من المؤمنين. وإليه أشار بقوله: (وإنما هي يقتضى تقدم الرتبة العلية عند العرب في مواضع مخصوصة، كقول الشاعر: (كهز الردينى، ثم اضطرب). و زمان الهزعين زمان اضطراب المهزوز بلا شك، وقد جاء ب‍ (ثم) ولا مهلة.) يجوز أن يكون (العلية) بفتح العين، من العلو. أي، العالية الشريفة. وبكسرها، مع تشديد اللام، من العلة. لأن (ثم) يقتضى الترتيب والتراخي، والترتيب يقتضى تقدم البعض على الآخر. وذلك قد يكون بالزمان، وقد يكون بالرتبة والشرف، وقد يكون بالذات، كما في العلية والمعلولية. لكن الأول أنسب، لأن التقدم بالرتبة والشرف أعم من التقدم بالعلية، فهو أكثر وجودا، وإن كان المثال الذي ذكره الشيخ فيه العلية والمعلولية.
(كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس زمان العدم زمان وجود المثل، كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة.) أي، كما أن زمان (الهز) عين زمان اضطراب المهزوز، وكذلك زمان العدم عين زمان وجود المثل في تجديد الخلق.
وإنما شبه بقول (الأشاعرة) في الأعراض، لأن قوله بالتبدل في جميع الجواهر والأعراض لا في الأعراض وحدها. وقد مر تحقيقه من قبل.
(فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكل المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قصته) من الإيجاد والإعدام. (فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك
(٩٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 925 926 928 929 930 931 932 933 934 935 936 ... » »»