شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٢٩
(وإذا كان هذا كما ذكرناه) أي، إذا كان حصول العرش عند سليمان بطريق الإعدام والإيجاد (19). (فكان زمان عدمه أعني عدم العرش من مكانه، عين وجوده) أي، عين زمان وجوده (عند سليمان من تجديد الخلق مع الأنفاس. ولا علم لأحد بهذا القدر. بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ثم يكون.) قيل: ذلك لاقتضاء إمكانه عدمه كل وقت على الدوام، واقتضاء التجلي الدائم الذاتي وجوده (20) وفيه نظر. لأن الممكن هو الذي لا يقتضى ذاته

(١٩) - واعلم، أن مسألة بلقيس وعرشها في السبأ وحضورها في مجلس السليمان، ليست من قبيل الخلق الجديد، لأن الخلق الجديد إن صح، كان حاكما على جميع الخلائق.
والخلق الجديد لا يتصور بل لا يعقل بدون الحركة في الجواهر وحصول الصور على المواد بالتدريج، وإلا يلزم انعدام حقيقة الشئ وإيجادها من كتم العدم، لزوال المادة المشتركة بزوال الصورة. وقد حققنا هذه المسألة في تعاليقنا على كتاب (أصول المعارف) أنه يجب أن يكون توارد الصور على المواد وتجددها على سبيل التدريج، وإلا يلزم انعدام الجسم بالكلية وإيجاد الجسم من كتم العدم من دون وجود مادة سابقة. ومما يجب أن يعلم أن عدم تدرب الشيخ وأتباعه في المباحث العويصة الحكمية، ومن جملتها الحركة السارية في جواهر العالم وأعراضها، والإذعان بهذه المسألة عن طريق التعبد، أوقعه في مخمصة وقوع الصور على المواد لا في الزمان، وتحقق الزماني في الآن. (ج) (20) - والقائل هو الشيخ العارف، الشارح الكاشاني (رض) حيث قال (ط مصر، ص 196، 197) في هذا الموضع من شرحه: (لاقتضاء إمكانه مع قطع النظر عن موجده عدمه كل وقت على الدوام، واقتضاء دوام التجلي الذاتي وجوده). وما ذكره الشارح العلامة الكاشاني بعينه هو معنى الحدوث الذاتي. وأشار الرئيس، ابن سينا، عظم الله تقديسه، بقوله:
(الممكن من حيث ذاته ليس، ومن حيث وجود علته أيس). أي، الممكن لا يقتضى الوجود من قبل ذاته، فهو مع قطع النظر عن علته ليس بموجود، بل من هذه الجهة معدوم.
وليس مراد أستاذ الشارح من لفظة (الاقتضاء) العلية، حتى يرد عليه ما أورده الشارح القيصري. ومن عدم النيل إلى معنى الحدوث الذاتي المذكور في كلام أئمة الحكمة أشكل الشارح على أستاذه. واعلم، أن المهية من حيث هي هي ليست إلا هي، والوجود والوحدة والتشخص وغيرها من المعاني تكون من لواحق المهية، أي، تكون من عوارضها، ومن جملتها الوجود، فيصدق على المهية من حيث ذاتها أنها غير موجودة، سواء كانت من قبل ذاتها، أو من جهة العلة، لأن الوجود المفاض عن العلة على هياكل الأعيان، خارج عن جوهر ذات المهية وتخوم حقيقتها. ومما ذكرناه يظهر أنه ليس للمهية من حيث هي هي، أي من حيث إنها مسلوبة عنها الوجود والعدم وغيرهما بالسلب البسيط التحصيلي لا العدولي، ليس لها الوجود، لا من ذاته ولا من جهة العلة. ومن هذه الجهة يقال إنها من حيث ذاتها ليس، أي، ليس الوجود جزءا لها ولا العدم. فهي من هذه الجهة معدومة، ولو في زمان تنورها بنور الوجود. وهذا معنى (الحدوث الذاتي) المذكور في كلام الشيخ وغيره. وإن كان كلام الرئيس في المقام في غاية الإبهام. وهذا معنى الحدوث الذاتي كما هو المذكور في كلام أئمة الفن. وممن حقق هذه المسألة وأدى حقه وأجود ما قيل في هذا المقام، ما ذكره الحكيم البارع والمتكلم العظيم من الفرقة الناجية، الملا عبد الرزاق اللاهيجي (رض)، صاحب (الشوارق) و (گوهر مراد). (ج)
(٩٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 923 924 925 926 928 929 930 931 932 933 934 ... » »»