قيام القائم من مجلسه (16) لأن حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه، أسرع من حركة الجسم فيما يتحرك منه، فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر، عين الزمان الذي يتعلق بمبصره مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور. فإن زمان فتح البصر زمان تعلقه بفلك الكواكب الثابتة، وزمان رجوع طرفه إليه هو عين زمان عدم إدراكه. والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك، أي، ليس له هذه السرعة. فكان قول آصف بن برخيا أتم في العلم من الجن.) لأنه تصرف في عين العرش بالإعدام والإيجاد في واحد حتى أعدمه في موضعه وأوجده عند سليمان، عليه السلام. (فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد، فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان، عليه السلام، عرش بلقيس مستقرا عنده) لأن القول من الكمل كقول الحق للشئ المطلوب وجوده: (كن) فيكون ذلك الشئ بإذن الله. وذلك لأن الحق صار عين جوارحهم وعين قواهم الروحانية والجسمانية. وبهذه النسبة كان هذا الكامل وزيرا لسليمان، عليه السلام، الذي كان قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم. وخوارق العادات قل ما يصدر من الأقطاب والخلفاء، بل من وزرائهم وخلفائهم بقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلى، فلا يتصرفون لأنفسهم في شئ. ومن جملة كمالات الأقطاب ومنن الله عليهم أن لا يبليهم بصحبة الجهلاء، بل يرزقهم صحبة العلماء الأمناء، يحملون عنهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم.
(لئلا يتخيل أنه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال) تعليل لقوله: (فرآه مستقرا عنده في الحال) لئلا يتخيل - على صيغة المبنى للمفعول - أن سليمان، عليه السلام، أدرك العرش وهو في مكانه، أي العرش في مكانه، من غير انتقال.
وذلك بأن ارتفع الحجاب من البين، فرأى سليمان ذلك وشاهده.
(ولم يكن عندنا باتحاد الزمان انتقال.) أي، لا يمكن أن يكون مع اتحاد زمان القول والفعل انتقال، لأن الانتقال حركة، والحركة لا بد أن تكون في زمان،