ولما كان اسم (الرحمن) عام الحكم شامل الرحمة بجميع الموجودات بالرحمة الوجودية العامة والرحمة الرحيمية الخاصة، وكان سليمان، عليه السلام، مع اتصافه بنعمة النبوة والرسالة ورحمة الولاية سلطانا على العالم السفلى بل على العالم العلوي - إذ التأثير في عالم الكون والفساد لا يكون إلا بتأييد من العالم الأعلى والعون، وذلك باستنزال روحانيته إياه وبكونه خليفة عمن لا إله إلا هو وكان عام الحكم في الإنس والجن نافذ الأمر في أعيان العناصر، لذلك كان يتبوء من الأرض حيث يشاء وكانت الجن يغوصون له في الماء بحكمه مع أنهم من النار وسخر له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب وكان يتصرف في جميع ما يتولد منها ويعلم ألسنة الجمادات ويفهم منطق الحيوانات - ناسب أن يذكر حكمته في كلمته.
((إنه) يعنى الكتاب (من سليمان). و (أنه) أي، مضمونه:
(بسم الله الرحمن الرحيم). فأخذ بعض الناس في تقديم اسم (سليمان) على اسم (الله). ولم يكن كذلك. وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان، عليه السلام، بربه. وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه: (إني ألقى إلى كتاب كريم) أي، يكرم عليها. وإنما حملهم على ذلك تمزيق كسرى كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه. فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت له، فلم يكن يحمى الكتاب عن الإحراق بحرمة صاحبه تقديم اسمه، عليه السلام، على اسم الله تعالى ولا تأخيره.) قال بعض أصحاب التفسير: إن سليمان، عليه السلام، قدم اسمه على اسم الله تعالى في الكتاب، لئلا تخرق بلقيس بحرمته بالمزق وغيره، كما فعل كسرى بكتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والشيخ ذهب إلى أنه،