عليه السلام، ما قدم اسمه على اسم الله تعالى وما أوهم التقديم إلا حكاية بلقيس مع حواشيها. أي، قالت لهم: (إني ألقى إلى كتاب كريم. إنه) أي، أن ذلك الكتاب. (من سليمان). و (أنه) أي، وأن مضمون الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم. ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين). وما قالوه لا يليق بحال النبي العالم بالله ومراتبه، وبأن اسمه واجب التعظيم. وكيف يليق ما قالوه وبلقيس قالت فيه: (إني ألقى إلى كتاب كريم). أي، مكرم عليها ومعظم عندها. ولو أن بلقيس كانت مريدة للخرق وما كانت موفقة لإكرام الكتاب، (2) لم يكن تقديم اسمه حاميا له من الخرق ولا تأخيره، بل كانت تقرأ الكتاب وتعرف مضمونه، كما فعل كسرى، ثم كانت تمزقه لو لم تكن موفقه.
(فأتى سليمان بالرحمتين: رحمة الامتنان، ورحمة الوجوب اللتان هما (الرحمن الرحيم). فأمتن بالرحمن وأوجب بالرحيم، وهذا الوجوب من الامتنان، فدخل (الرحيم) في (الرحمن) دخول التضمن.) اعلم، أن الرحمة صفة من الصفات الإلهية، وهي حقيقة واحدة، لكنها ينقسم بالذاتية وبالصفاتية، أي، يقتضيها أسماء الذات وأسماء الصفات عامة. وكل منهما عامة وخاصة، فصارت أربعة، ويتفرع منها إلى أن يصير المجموع مائة رحمة. وإليه أشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن لله مائة رحمة، أعطى واحدة منها لأهل الدنيا كلها، وادخر تسعة وتسعين إلى الآخرة يرحم بها عباده) (3) فالرحمة