شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩١٤
قال: (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما). أي، وجودا وعلما. فإن الرحمة العامة هو الوجود العام لجميع الأشياء، وهو النور المذكور في قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض). الذي به يظهر كل شئ من ظلمة العدم.
(وأوجب بالرحيم) المخصص على نفسه أن يوصل كلا من الأعيان إلى ما يقتضيه استعداده. ولما كان هذا الإيجاب أيضا منة منه تعالى على عباده، قال: (و هذا الوجوب من الامتنان) أي، من الرحمة الامتنانية، إذ ليس للمعدوم أن يوجب شيئا على الحق فيما يوجده، ويمكنه من الطاعات والعبادات. فدخل الرحمة الرحيمية في الرحمة الرحمانية دخول الخاص تحت العام.
(فإنه كتب على نفسه الرحمة سبحانه، ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحق من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد حقا على الله أوجبه له على نفسه يستحق بها هذه الرحمة، أعني رحمة الوجوب.) هذا تعليل لقوله: (وهذا الوجوب من الامتنان). وذلك إشارة إلى وجوب الرحمة على نفسه.
و (حقا) منصوب بقوله: (ليكون). أي، إيجاب الحق على نفسه الرحمة للعباد من الامتنان، لأنه كتب وفرض على نفسه الرحمة، ليكون ذلك حقا على الله للعبد في مقابلة أعماله التي كلفه بها مجازاة له وعوضا عن عمله، وذلك على سبيل الامتنان. فإن العبد يحب عليه طاعة سيده والإتيان بأوامره، فإذا أعطاه شيئا آخر في مقابلة أعماله، يكون ذلك رحمة للعبد وامتنانا منه عليه.
فقوله: (أوجبه) أي، أوجب ذلك الوجوب الحق للعبد على نفسه، ليستحق العبد بها، أي بتلك الأعمال، الرحمة التي أوجبها الحق على نفسه امتنانا.
(ومن كان من العبيد بهذه المثابة، فإنه يعلم من هو العامل منه) وفي بعض النسخ: (به). أي، ومن كان من العبيد بمثابة أن يكون الحق موجبا على نفسه الرحمة له، يكون ذا نور من الله منور القلب به محبوبا، كما قال تعالى:
(فسأكتبها للذين يتقون). ومن كان كذلك، يكون الحق سمعه وبصره، كما نطق به الحديث. فيعلم يقينا أن العامل الحقيقي من نفس العبد هو الحق الذي
(٩١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 909 910 911 912 913 914 915 916 917 918 919 ... » »»