يقول: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ). ففرحت بذلك. فالملأ الذي خير منهم، هم العالون. وهذه الخيرية إنما هي بحسب عموم أفراده، لا بحسب الخصوص.
وتحقيقه: أنك قد علمت أن لكل موجود من الموجودات وجها خاصا لربه لا يشاركه فيه غيره، والإنسان جامع لجميع تلك الوجوه، لأنه جامع لجميع الحقائق الكونية والإلهية، كما هو مقرر عند جميع المحققين، فالإنسان من حيث حقيقته خير من جميع الموجودات، لذلك صار خليفة عليها. ومن حيث خلقيته أيضا الإنسان الكامل والأقطاب والأفراد خير من جميعها، لظهور الحق فيهم بجميع كمالاته وصفاته دون غيره. وغيرهم من الأناسي لا يخلو إما أنه وقع في النصف الأعلى من دائرة حقيقة الإنسان، أي وقع في الطرف الكمالي، أو في النصف الأسفل، أي الطرف النقصاني. الأول خير من الملائكة الأرضية والسماوية جميعا، لتسبيحهم للحق وتقديسهم له بألسنة أكثرهم، بل كلهم كالمتوسطين في الكمال المتوجهين إلى حضرة ذي الجلال. والنصف الثاني أدنى مرتبة من الملائكة السماوية، دون الأرضية، إلا من وقع في أسفل سافلين من الإنسان، فإنه شر من كل حيوان وأدنى مرتبة من كل شيطان. وهذا مجمل شأنا، فعليك تفصيله بيانا. والله أعلم بالمراتب.
(فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي، فليعرف العالم) لأن العالم صورته، فإذا عرفت العالم بحقيقته، عرف النفس الإلهي ونفسك أيضا. (فإنه من عرف نفسه، فقد عرف ربه) لأن نفسه صورة ربه ومظهره، فمن عرف نفسه معرفة تامة، عرف ربه الذي ظهر فيه ضرورة. (الذي ظهر فيه، أي، العالم ظهر في النفس الرحماني الذي نفس الله تعالى به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها. فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه).
قوله: (الذي ظهر فيه) صفة (للعالم) وإن كان صالحا أن يكون صفة للرب، لذلك فسر بقوله: (أي، العالم ظهر في النفس الرحماني) فالحديث (52) إعتراض بين الصفة والموصوف ودليل للحكم.