شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٨٨
والمقصود، أن أعيان العالم هي التي ظهرت على النفس الرحماني، و بظهورها نفس الله تعالى عن الكرب الذي كان يجده في نفسه، لأن الأسماء التي هي النسب كانت طالبة لظهورها وأحكامها، والأعيان الثابتة كانت طالبة لكمالاتها، فكانت كرب الرحمان، فبظهورها وظهور آثارها زال ذلك الكرب، فامتن الله بنفسه على نفسه بما أظهره في نفسه من صور أعيان الموجودات.
ولما كان التنفيس للحق من حيث الأسماء، لا من حيث الذات الغنية عن العالمين، قال: (نفس الله) من الأسماء. و (ما) في (ما تجده) بمعنى (الذي)، وضمير الفاعل عائد إلى (الأسماء).
(فأول أثر كان للنفس الرحماني، إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجدا.) أي، فأول أثر حصل من النفس الرحماني، كان في الجناب الإلهي، أي، أول ما نفس من الاسم (الله)، ثم من باقي الأسماء الكلية، ك‍ (الرحمان) و (الرحيم)، ثم من الأسماء التالية لها إلى أن نفس من الأسماء الجزئية التي يقتضى أعيان الموجودات الشخصية وتوابعها من الجزئيات المضافة إليها والتابعة لها. وفيه إشارة إلى ما مر في المقدمات من أن أول ما تعين من الأعيان والمهيات في العلم، عين الإنسان الكامل التي هي المظهر للإسم (الله)، ولكونها جامعا للأسماء له أشد الكرب، فوجب أن يكون أول التنفيس من جنابه، ثم من غيره من الحضرات.
(فالكل في عين النفس * كالضوء في ذات الغلس) (الغلس) ظلمة آخر الليل. إنما شبه حصول جميع الأعيان الموجودة والأكوان الظاهرة والآثار الصادرة منها في عين النفس الرحماني بالضوء الحاصل في ظلمة الليل، إشارة إلى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور،
(٨٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 883 884 885 886 887 888 889 890 891 892 893 ... » »»