شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٨٥
مراتب الفرقان بينهما كون تعين أحدهما مغائرا لتعين الآخر، ولذلك صار اثنين، أي (يدين).
ثم، قال: (لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها، وهي متقابلة، فجاء باليدين (50).) تنبيها على أن المناسبة ثابتة بين العلة ومعلولها. فلما كان المعلول مقتضيا للتقابل بقابليته، كانت العلة أيضا مقتضية له بفاعليتها.
(ولما أوجده باليدين، سماه (بشرا) للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.) أي، سماه (بشرا) في قوله: (إني خالق بشرا من طين). لما باشره بيديه في خلقه. وفيه إشارة إلى أن (البشر) مأخوذ من (المباشرة)، كما يقال:
يسمى (الخمر) خمرا لتخميره للعقل. ولما علم أن المحجوب يتوهم من (اليدين) العضو الخاص، ومن المباشرة المباشرة الحسية، نزه بقوله: (للمباشرة اللائقة بجنابه). و (باليدين) الممكنة إضافتهما إلى حضرته.
والمباشرة اللائقة بجنابه اقتضاء عنايته الذاتية ومشيئته الأصلية ومحبته الأزلية إظهار موجود جامع لصفاته المتقابلة، ومحل لائق لسلطنة أسمائه المتعالية، كما أشار إليه في صدر الكتاب.
(وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني، فقال لمن أبى عن السجود له: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت) على من هو مثلك، يعنى عنصريا. (أم كنت من العالين؟) عن العنصر؟ ولست كذلك. ونعني ب‍ (العالين) من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.) المراد ب‍ (العالين) الملائكة المهيمون في أنوار جمال الذات، المتجلية لها بالتجلي الجبالي. وهم الكروبيون والملائكة المقربون، كجبرئيل وميكائيل وغيرهم من طبقتهم. لذلك وصفهم بأنهم نوريون طبيعيون لا عنصريون.
(فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.) أي، فما فضل الإنسان

(50) - أي، باليدين المتقابلين، ليحصل المناسبة بين المؤثر والمتأثر. (ج)
(٨٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 880 881 882 883 884 885 886 887 888 889 890 ... » »»