شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٨٤
فالأجزاء الصغار الأرضية إذا رسبت، علم الطبيب أن الأخلاط البدنية استعدت أن ينفصل بعضها عن بعض، وصارت قابلة للاندفاع، وهو المراد ب‍ (النضج).
فبالرطوبة يحصل السيلان، وبالبرودة النزول، إذ البرودة تكثفها، فيندفع الطبيعة حينئذ ما زاد على الحاجة ويمسك ما يحتاج إليها.
واعلم، أن كل من علم هذه المباحث النفسية، ظهر له كون الخلأ، محالا، كما هو مقرر عند الحكماء أيضا، إذ لو خلا النفس الرحماني عن الصورة، لاندكت الجبال وانشقت السماء لتجلى الحق بارتفاع تلك الصورة الحجابية، وظهر له وجود الهيولى الكلى، وعروض الصور الروحانية والجسمانية عليه، وكون الصور السماوية قابلة للتبديل والتغير بتجليه واظهاره لها مرة أخرى، وكون الأبعاد غير متناهية، إذا النفس الإلهي غير متناه. كما قال: (أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا). أي، منقطعا. لكنه ما شاء انقطاعه، فما انقطع، وأن فوق الأطلس، المسمى بالعرش الكريم، أجسام نورية، كالعرش المجيد و كرسيه والعرش العظيم، كما صرح في الفتوحات بها. ومنتهاها من هذا الطرف فلك الثوابت ومن الطرف الآخر هو الوجود البحت الحق والنور المطلق.
(فسبحان ربك رب العزة عما يصفون). وتعالى الله عما يقول الظالمون المحجوبون علوا كبيرا.
(ثم، إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه، وهما متقابلتان، وإن كانت كلتا يديه يمينا، فلا خفاء بما بينهما من الفرقان. ولو لم يكن إلا (49) كونهما اثنين، أعني يدين.) لما ذكر أن الطبيعة متقابلة والأسماء الإلهية متقابلة - وكان عجن طينة آدم بيديه وهما متقابلتان - نقل الكلام إليه. وإنما كانت يداه متقابلتان، لأنهما عبارة عن الصفات الجمالية والجلالية، كالرضا والغضب واللطف والقهر. و كونهما يمينا، أي، مباركا رحمانيا موصلا إلى الكمال ومتساويا في القدرة والقوة والتأثير، والفرقان بينهما باقتضاء كل منهما صفة تقابل مقتضى الآخر، وأقل

(49) - (ولو لم يكن (أي ذلك الفرقان) إلا...). (ج)
(٨٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 879 880 881 882 883 884 885 886 887 888 889 ... » »»