وصفهم الله بالاختصام، لأن الطبيعة متقابلة. وذلك لأنها محل ولاية الأسماء و مظهر أحكامها. والأسماء الإلهية متقابلة: فإن (الرحيم) يقابل (المنتقم)، (القهار) و (المعز) يقابل (المذل). وكذلك جميع الأسماء. ولما كانت الصفات المتقابلة التي في المرتبة الإلهية لا يظهر تقابلها إلا في مظاهرها - الموجودة في الخارج و مادة الوجود الخارجي التي منها يتعين الموجودات هو النفس الرحماني - قال:
(والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.) أي، أظهره النفس بقابليته، لأن التقابل غير حاصل في الأسماء، ثم يحصل منه، فإن التعينات الأسمائية في الحضرة الإلهية والعلمية يقتضى ذلك التقابل. ولو لم يكن تقابلها في الباطن، لم يكن أيضا في الظاهر، إذا الظاهر صورة الباطن، والوجود الخارجي يخرج ما في الباطن إلى الظاهر. وكون أعيان السواد والبياض والحرارة والبرودة في الذهن مجتمعة، لا يمنع تقابلها، كما لا يمنع التقابل الذي بين النقيضين المجتمعين في العقل، دون الخارج. فلا يقال: الأسماء لا يتقابل إلا في صورها التي يتحقق بها حقائق تلك النسب، ولو لا وجوداتها بظهوراتها في الصور، لم يتقابل (45) (ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم.) أي، عن حكم التقابل. و هي الذات الإلهية من حيث المرتبة (الأحدية). (كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟) وقد مر في أول الكتاب أن الذات الإلهية من حيث أحديتها موصوفة بالغنى عن العالمين، ومن حيث إلهيتها وأسمائها موصوفة بالافتقار (46) حيث