شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٧٤
على صيغة المبنى للمفعول. أي، فلا يحجبنك أحد بأنك مسمى بالإنسان، والحق مسمى بالله. أو على صيغة المبنى للفاعل. أي، فلا يحجب نفسك بأن تجعلها مسمى بالإنسان، وتجعل الحق: مسمى بالله. (فقد أعطاك) البرهان الكشفي إنك عينه باعتبار الحقيقة، وغيره باعتبار التعين والتقيد. وأعطاك البرهان النقلي إنك عينه، كما قال: (كنت سمعه وبصره) - الحديث. وقال:
(هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شئ عليم). وغير ذلك من الأخبار الواردة فيه.
(فكن حقا وكن خلقا * تكن بالله رحمانا) أي، فكن حقا باعتبار روحك، وخلقا باعتبار جسدك. أو فكن حقا باعتبار حقيقتك الجامعة للحقائق كلها الإلهية والكونية، وكن خلقا باعتبار تعينك و تقيدك وكونك مظهرا للصفات الإلهية. تكن بالله عام الرحمة على العالم، إذ بواسطتك يحصل له ما فيه من كمالاته دنيا وآخرة، علما وعينا، فتكون عين اسم (الرحمان) المشتمل على الأسماء.
(وغذ خلقه منه * تكن روحا وريحانا) قد مر مرارا أن الحق غذاء الخلق من حيث وجودهم وبقائهم وجميع كمالاتهم، إذ الحق هو الذي يختفي في صورة الخلق اختفاء الغذاء في المغتذى. وبقاء الخلق بالحق، كبقاء المغتذى بالغذاء. والخلق غذاء الحق من حيث إظهار أحكام أسمائه وصفاته، إذ بالخلق تظهر الأحكام الأسمائية، وبهم بقاؤها، ولو لا الخلق، ما كان له أسماء وصفات.
فضمير (خلقه) و (منه) عائد إلى الله تعالى. أي، غذاء العالم من وجود الحق بأسمائه وصفاته، لأنك خليفة في ملكه. تكن ذا روح وراحة، لأنك حينئذ تكون رحمة للعالمين، فتستريح من أنفاسك الأرواح وتشم من نفحات عطرك الأشباح، فتكون ريحانا للعالم بروحك، وراحة للأكوان بعينك، وأمنا (*)
(٨٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 869 870 871 872 873 874 875 876 877 878 879 ... » »»