شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٦٦
(ابن مريم) وهو (ابن مريم) بلا شك).
(من الله) متعلق بقوله: (فعدلوا). و (الباء) في قوله: (بالتضمين) بمعنى (مع). أي، فعدلوا من الله إلى الصورة البشرية مع تضمينه فيها من حيث إنه إحياء الموتى، فقالوا: (المسيح بن مريم). وهو ابن مريم بلا شك، كما قالوا، لكن جعلوا الله في ضمن صورته، وهو القول بالحلول (24) (فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية للصورة وجعلوها عين الصورة. وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم.) أي، تخيل السامع أن الذين قالوا بالحلول، نسبوا الألوهية إلى الصورة العيسوية و جعلوا الألوهية عين تلك الصورة. وليس كذلك. بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء حالة في الصورة البشرية التي لعيسى، وتلك الصورة هي ابن مريم، فالقائلون بالحلول فصلوا أولا بين الصورة وبين الإلهية في الحكم، أي، بين الحكم عليها بأنها إله. أو بين الحكم، أي، بين المحكوم عليه وهو الهوية الإلهية. ف‍ (الحكم) مستعمل بمعنى المحكوم عليه، كما يستعمل بمعنى المحكوم به.

(24) - واعلم، أن تقيد المطلق، أي حقيقة الوجود، وتعينها لا يوجب تقيدها واقعا، لأن المطلق الذي هو حقيقة الوجود ليس بخارج عن الوجودات الخاصة، بل هي أطواره وشؤونه، فلا يكون لها تأثير في المطلق، لأنه غنى عن العالمين والعالم محتاج إليه. نعم، الوجودات الخاصة تعطى الظهور للمطلق، وإن كان الظهور والبطون من شؤون المطلق، بخلاف المطلق المفهومي، فإن الأمر فيه منعكس. بعبارة أوضح، في المطلق المفهومي، المطلق موجود بوجود الفرد، وفي المطلق الحقيقي، أي حقيقة الوجود، الفرد متحقق بها. بل الكل أطواره وشؤونه. ومن هنا يعلم أن تقيد الحق المطلق لا يوجب اشتراكه أو شركته بين الأشياء. وهذا المعنى إنما يستفاد من كلام على، عليه السلام، الباب الأعظم لمدينة علم التوحيد: (توحيده تمييزه عن خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا عزلة - داخل في الأشياء لا بالممازجة، وخارج عن الأشياء لا بالمباينة: داخل لا كدخول شئ، وخارج لا كخروج شئ عن شئ،) فالمطلق لا يقبل التجزي والتقدر، وهو باق على إطلاقه، لأنه في السماء إله وفي الأرض إله. (ج)
(٨٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 861 862 863 864 865 866 867 868 869 870 871 ... » »»