شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٧٢
بنفسه ويظهر لغيره. ووصفه (رض) إياها بالصفات الكمالية إشارة إلى أن الحياة العلمية أشرف من الحياة الحسية، لأنها حياة الروح، والحياة الحسية حياة الجسد، و الروح أشرف من الجسد، فحياته أيضا كذلك. لكن الحسية أوقع في النفوس من العلمية، لأنها مترتبة على القدرة التامة التي هي أيضا من الخصائص الإلهية، لذلك صار أعز وجودا وأعظم وقعا.
ولما كان للعلم مراتب، وأعظمها العلم بالله وأسمائه وصفاته، خصه بالذكر، وإن كان بحسب كل منها يحصل حياة مناسبة لها. وقد أعطى الله أولياءه الكمل نصيبا تاما من الحياة العلمية، ليفيضوا على نفوس المستعدين المؤمنين بهم منها، فيحيونهم بالنور الإلهي ويمشون به في الناس. كما قال: (أو من كان ميتا) أي، بموت الجهل. (فأحييناه) أي، بالحياة العلمية (32) (وجعلنا له نورا) و هو العلم. (يمشى به في الناس) فيدرك ما في بواطنهم من استعداداتهم وخواطرهم ونياتهم، وما في ظواهرهم من أعمالهم المخفية من الناس بذلك النور. وقوله:
(أي بين أشكاله في الصورة) المراد بالشكل ماله التشكل، وهو البدن. أي، ذلك النور يسرى بين أبدان الناس، فيدرك ما فيها من النفوس ولوازمها و استعداداتها التي لا يطلع عليها إلا من شاء الله من الكمل.
ويجوز أن يكون المراد منها الهيئات والأوضاع التي للبدن الظاهرة في الصورة الإنسانية، إذا المتفرسون يدركون منها ما في نفوسها وقواها وما هي عليها من الأعمال والأفعال.
ولما ذكر إن الإحياء الحسى والمعنوي إما من الله بواسطة الصورة الإنسانية و إما من العبد بإذن الله وأمره، أعقب بقوله شعر:
(فلولاه ولو لأنا * لما كان الذي كانا)

(32) - وقيل في هذا المقام: (أقدم أستاذي على الوالدين وإن تضاعف لي من والدي البر واللطف. فهذا مربى الروح والروح جوهر وذلك مربى الجسم وهو له صدف) (ج)
(٨٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 867 868 869 870 871 872 873 874 875 876 877 ... » »»