(إلا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم) أي، فصلوا بين الصورة وبين الهوية الإلهية ابتداء، إلا أنهم جعلوا الصورة في ثاني الحال عين تلك الهوية في الحمل بقولهم: (إن الله هو المسيح بن مريم). لأن المحمول عين الموضوع في الحمل بالمواطاة. فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية إلى الصورة العيسوية، فحصروها في تلك الصورة. وهو الخطاء. وقوله: (عين الحكم) أي، جعلوا الصورة عين ما وقع الحكم عليه.
(كما كان جبرئيل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ ففصل بين الصورة والنفخ، وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ.) أي، كانت الهوية الإلهية و ما كانت الصورة العيسوية، وكانت الصورة العيسوية، وما كان الإحياء. كما كان جبرئيل متمثلا في صورة البشر وما كان النفخ حاصلا، ثم نفخ، فحصل الفصل بين الصورة والنفخ بأن كانت الصورة موجودة ولا نفخ، وإن كان النفخ حاصلا من الصورة.
(فما هو النفخ من حدها الذاتي) (ما) بمعنى (ليس). والضمير للفصل.
أي، فليس النفخ من الحدود الذاتية للصورة وأجزائها، لتحقق الصورة قبل وجود النفخ. وكذلك الصورة العيسوية ليست من الحدود الذاتية للهوية الإلهية، لتحقق الهوية قبل تلك الصورة، وليس الإحياء أيضا من ذاتيات الصورة العيسوية، لتحققها مع عدم الإحياء.
(فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية، فيقول هو ابن مريم. ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية، فينسبه لجبرئيل. ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى، فينسبه إلى الله تعالى بالروحية، فيقول روح الله، أي، به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما - اسم مفعول - وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة يكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة، فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو