شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٢٥
كانت علوم الأنبياء، عليه السلام، مأخوذة من الوحي، كانت قلوبهم ساذجة مما يتعلق بالنظر العقلي، لأنه طريق الانتقاش بالتعمل والكسب. والأمر، كما هو، لا يتجلى إلا في القلب المجلو الفارع عن النقوش. والإخبار لا يمكن إلا عما يمكن التعبير عنه ويسمع العبارة، أما مالا يمكن، كالوجدانيات والمدركات بالذوق، فيقصر الإخبار أيضا عن إيضاحه، فلا يحصل العلم التام به، كمالا يحصل بطريق النظر العقلي، فلم يبق أن يدرك الحقائق على ما هي عليه إلا في التجلي الإلهي، ليشاهد تارة في العالم المثالي المقيد، وأخرى في المطلق، وأعلى منهما في عالم المجردات، وأعلى من ذلك أيضا في عالم الأعيان، فيحصل الاطلاع بحقائق الأمور، قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها، على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها.
فجواب (لما) قوله: (فقلوبهم). و (ما) في (وما يكشف) مصدرية.
أي، فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي وكشف الحق. و (من) في قوله:
(من الأغطية) للبيان، والمبين مقدر. وهو ما طرأ على أعين البصائر والأبصار، فمنعها عن شهود الحقائق والأسرار. ويجوز أن يكون (ما) بمعنى الذي، و (من الأغطية) بيانا له. فمعناه: فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي وفيما يكشف الحق، أي، يرفعه الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية. وهذا أنسب.
وإنما قال: (عن أعين البصائر والأبصار) لأن الأغطية إذا ارتفعت، يتحد النوران: نور البصيرة ونور البصر، فيدرك بكل منهما ما يدرك بالآخر، وكذلك يدرك بالسمع ما يدرك بالبصر وبالعكس. هذا أيضا من خصوصيات الكشف التام الذي هو فوق طور العقل.
(فلما كان مطلب (العزيز) على الطريقة الخاصة، لذلك وقع العتب عليه، كما ورد في الخبر. ولو طلب الكشف الذي ذكرناه، ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك.
) المراد ب‍ (الطريقة الخاصة) طريق الذوق. وهو الاتصاف هنا بصفة القدرة على الإحياء ذوقا. وإنما وقع العتب عليه، لأنها من الخصائص الإلهية ويدل
(٨٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 820 821 822 823 824 825 826 827 828 829 830 ... » »»