شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٢٠
وجود الأشياء صادر من الله في كل آن بحسب القوابل، كإفاضة الصورة الإنسانية على النطفة الإنسانية والصورة الفرسية على النطفة الفرسية. وهذا أظهر شئ في الوجود. وكما يترتب إفاضة الصور على الأشياء بالاستعداد والقابلية، كذلك يترتب إفاضة لوازمها على قابلية تلك الصور. وهذا أيضا أمر بين عند العقل. و كثير من الأشياء البالغة في الظهور قد يختفي اختفاء لا يكاد يبدو، كالوجود والعلم والزمان، وأنواع الوجدانيات والبديهيات أيضا كذلك. والطلب والإلحاح على معرفة سر القدر من الأنبياء، عليهم السلام، إنما كان للاحتجاب. فإن النبي إذا اطلع عليه، لا يقدر على الدعوة وإجراء أحكام الشريعة على الأمة، بل يعذر كلا منهم فيما هو عليه لإعطاء عينه ذلك (9) (واعلم، أن الرسل، صلوات الله عليهم، من حيث هم رسل، لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم، فما عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إليه أمة ذلك الرسل، لا زائد ولا ناقص) أي، الرسل من حيث إنهم رسل، ما أعطى لهم العلم إلا قدر ما يطلب استعدادات أمته، لا يمكن أن يكون زائدا عليه ولا ناقصا منه، لأن الرسول إنما هو مبلغ لما أنزل إليه، كقوله تعالى: (بلغ ما أنزل إليك وما عليك إلا البلاغ إن أنت إلا نذير مبين). لأحكام أفعالهم لإصلاح معاشهم ومعادهم. والتبليغ والتبيين لا يكون إلا بحسب استعدادات المبلغين إليهم وأفعالهم، لا زائدا ولا ناقصا. وأما من حيث إنهم أولياء فانون في الحق، أو أنبياء عارفون، فليس كذلك، لأن هاتين الصفتين بحسب استعداداتهم في أنفسهم، لا مدخل لاستعداد الأمة فيها.

(9) - قوله: (لا يقدر على الدعوة...). ليس الاطلاع على سر القدر مانعا عن الدعوة وإجراء أحكام الشريعة، فإن ذلك أيضا من سر القدر: فعين العاصي يقتضى العصيان ويقتضي إجراء الحد عليه، وعين النبي يقتضى الدعوة وتبليغ الحجة، فالنبي يبلغ الحجة بمقتضى عينه الثابتة، والعاصي يعصى بمقتضى عينه الثابتة، ويقتضي عينه إجراء الحدود عليه.
(الامام الخميني مد ظله)
(٨٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 815 816 817 818 819 820 821 822 823 824 825 ... » »»