المعنى هو سر القدر الذي يظهر لمن كان له قلب، يتقلب في أطوار عوالم الملك والملكوت، أو ألقى السمع بنور الإيمان الصحيح، وهو شهيد يشاهد أنوار الحق في بعض عوالمه الحسية والمثالية.
((فلله الحجة البالغة).) أي، فلله الحجة التامة القوية على خلقه فيما يعطيهم من الإيمان والكفر والانقياد والعصيان، لا للخلق عليه، إذ لا يعطيهم إلا ما طلبوا منه باستعدادهم. فما قدر عليهم الكفر والعصيان من نفسه، بل باقتضاء أعيانهم ذلك وطلبهم بلسان استعدادتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا، كما طلب عين الحمار صورته وعين الكلب صورته، والحكم عليه بالنجاسة العينية أيضا مقتضى ذاته. وإذا أمعن النظر في غير الإنسان من الجمادات والحيوانات، يحصل له ما فيه شفاء ورحمة.
فإن قلت: الأعيان واستعداداتها فائضة من الحق تعالى، فهو جعلها كذلك.
قلت: الأعيان ليست مجعولة بجعل الجاعل، كما مر في المقدمات، بل هي صور علمية للأسماء الإلهية التي لا تأخر لها عن الحق إلا بالذات لا بالزمان، فهي أزلية وأبدية. والمعنى بالإضافة (التأخر) بحسب الذات لا غير (6)