ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). فتسمية المحجوب أو النبي أو الولي أو المكاشف لسر القدر، ذلك (نزاعا) إنما هو بالنسبة إلى عدم قبوله الأمر الإلهي التكليفي، ومنازعه ما يعطى حقيقته من الضلال لما تعطى حقيقة النبي من الهداية، فوقع النزاع. وإنما كان عرضيا، لأنه بالنظر إلى الغير (6) لا إلى ذاته.
(وهو من المقلوب، فإنه من قولهم: (قلوبنا غلف). أي، في غلاف) (هو) يجوز أن يكون عائدا إلى (النزاع) المذكور. أي، النزاع المذكور، مقلوب بالقلب المعنوي قلبه أهل الحجاب، لكون قلوبهم في أكنة، فإنه وفاق في نفس الأمر، ولا يعلم الحق منه إلا كذلك، وما يعطيه ربه الحاكم عليه إلا ذلك، كما يعطى رب المحجوبين الوفاق نزاعا هذا وجه.
والأولى منه أن يكون الضمير عائدا إلى قوله: (غافلون). أي، (الغافل) مقلوب من (الغلف)، فإنه من (غفل)، المغلوب من غلف. ويؤكده قوله:
(فإنه من قولهم: (قلوبنا غلف...)). أي، مأخوذ من (الغلف). وهذا أيضا تقرير سبب تسميتهم للوفاق نزاعا. قال تعالى - حاكيا عن الكفار - وقالوا:
(قلوبنا غلف). (بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلا ما يؤمنون). أي، قلوبنا في غلاف، أي، في حجاب. إذ لا شك أن الغافل إنما يغفل عن الشئ بواسطة الحجاب الذي يطرأ على قلبه. فالغافلون عن الآخرة هم الذين قلوبهم في غلاف و حجاب.
(وهو (الكن) الذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه.) وهو، أي الغلاف، هو (الكن) المذكور في قوله تعالى: (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا). فهو الذي ستر القلب وحجبه عن إدراك الحقائق على ما هي عليه.
ولما كان قوله: (وهو من المقلوب.) اعتراضا وقع في أثناء تقريره: