شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٠٥
أن المعرفة تمنع العارف من التصرف، قال: (فهذا) أي، هذا الذي ذكرناه. (و أمثاله يمنع العارف من التصرف في العالم. قال الشيخ أبو عبد الله بن قائد للشيخ أبى السعود بن الشبلي: لم لا تتصرف؟ فقال أبو السعود: تركت الحق يتصرف لي كما يشاء. ويريد قوله تعالى آمرا: (فاتخذه وكيلا). ف‍ (الوكيل) هو المتصرف. ولا سيما وقد سمع) أي، سمع أبو السعود. (أن الله يقول: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه). فعلم أبو السعود والعارفون أن الأمر الذي بيده ليس له، وأنه مستخلف فيه.
ثم قال له الحق: هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملكتك إياه، إجعلني واتخذني فيه وكيلا. فامتثل أبو السعود أمر الله، فاتخذه وكيلا. فكيف يبقى لمن شهد مثل هذا الأمر همة، يتصرف بها؟ والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه. وهذه المعرفة تفرقه عن هذه الجمعية، فيظهر العارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف. قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزاق: قل للشيخ أبى مدين بعد السلام عليه: يا أبا مدين، لم لا يعتاص علينا شئ، وأنت تعتاص عليك الأشياء، ونحن نرغب في مقامك، وأنت لا ترغب في مقامنا؟ وكذلك كان) هذا كلام الشيخ (رض). أي، وكذلك كان أبو مدين تعتاص عليه الأشياء، وكان يرغب غيره في مقامه، وهو لا يرغب في مقام غيره. (مع كون أبى مدين (رض) كان عنده ذلك المقام) أي، مقام البدلاء. (وغيره. ونحن أتم في مقام العجز والضعف منه.) أي، من أبى مدين. (ومع هذا قال له هذا البدل ما قال. وهذا) أي، و عدم التصرف والظهور بمقام الضعف والعجز. (من ذلك القبيل أيضا.) أي، و من قبيل ما يمنع من التصرف، وهو المعرفة بمقام العبودية.
(وقال، صلى الله عليه وسلم، في هذا المقام عن أمر الله له بذلك: (ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم، إن اتبع إلا ما يوحى إلى). فالرسول يحكم ما يوحى إليه به ما عنده غير ذلك.) أي، ليس عنده إلا الظهور بالعجز، وعدم العلم بما في الغيب من الأحوال والحقائق.
(فإن أوحى إليه بالتصرف بجزم، تصرف، وإن منع، امتنع، وإن خير، أختار ترك التصرف.) وظهر بمقام عبوديته وترك التصرف لربه تأدبا
(٨٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 800 801 802 803 804 805 806 807 808 809 810 ... » »»