شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٠٧
يبقى عليهم صورة الحجاب تعطفا ورحمة منه عليهم.
(وقد علم الرسول أيضا أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة، فمنهم من يؤمن عند ذلك، ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التصديق به ظلما وعلوا وحسدا، و منهم من يلحق ذلك بالسحر والإيهام) أي الشعبذة. (فلما رأت الرسل ذلك وأنه لا يؤمن إلا من أنار الله قلبه بنور الإيمان، ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا، فلا ينفع في حقه الأمر المعجز. فقصرت الهمم) أي، همم الأنبياء. (عن طلب الأمور المعجزة.) أي، من الله. (لما لم يقم أثرها في الناظرين) لعدم إعطاء حقائقهم وأعيانهم الثابتة قبولها. (ولا في قلوبهم، كما قال في حق أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء). ولو كان للهمة أثر، ولا بد لم يكن أحد أكمل من رسول الله، صلى الله عليه و سلم، ولا أعلى وأقوى همة منه، وما أثرت في إسلام أبى طالب عمه، وفيه نزلت الآية التي ذكرناها (10) ولذلك قال في الرسول: إنه ما عليه إلا البلاغ. وقال: (ليس عليك

(10) - وقد أطبق الإمامية، أنار الله برهانهم، تبعا للكشف التام المحمدي المنقول عن ناحية العترة، عليهم السلام، على إسلام أبى طالب، عليه منا السلام. ووافقهم جم غفير من المعتزلة وغيرهم على هذه المسألة. والدليل على ذلك أن باب مدينة الأعظم من هذا العلم، أي المكاشفة، على بن أبي طالب، كثيرا ما يفتخر بأبيه ويفخمه. وفي أشعار الجاهلية المنسوبة إلى أبى طالب، عليه السلام: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا. وسبب اشتهار كفر أبى طالب، العياذ بالله، والاستناد بالآية التي ذكرها الشيخ، أنما هو عداوة أبناء الأمية، عليهم اللعنة والعذاب، لعلى وآله، سلام الله عليهم. وجعل الروايات ووضع الأحاديث بإزاء الدراهم والدنانير في ذم على، عليه السلام، ومدح الخلفاء، قد انجر إلى وضع الأحاديث في كفر عم النبي و والد على، عليهم السلام. وأما عدم تأثير همة النبي (ص) ودعائه لهداية الناس، غير صحيح على الإطلاق. لأن النفوس بحسب الذات والطيفة مختلفة، والنفوس الشفية التي لا يؤثر همة الرسول ودعائه، عليهم السلام، لهدايتهم، ترجع إلى أمر ذاتي وشقاوة جوهرية بحيث لا يؤثر فيهم الرحمة الامتنانية والألطاف الخاصة الإلهية. وهذه النفوس بحسب الفطرة نارية جهنمية لا تقبلون هداية الحق، فضلا عن هداية النبي. وعن بعض ساداتنا، عليهم السلام: (قد أسلم أبو طالب بحساب الجمل عقد الأنامل).
وأما المتصلبون في إثبات كفر عم النبي، صلوات الله عليه، يزعمون أنه يعود عاره إلى على، عليه السلام. ونحن نشك في الشمس ولا نشك في إيمان عم النبي الأكرم. ودليلنا إطباق الإمامية على إيمان والد الأئمة الطاهرين، وإجماع آل البيت والعترة، عليهم السلام، على إيمانه بالله ورسوله، وتخطئتهم المنكرين لإيمان ابن عبد المطلب.
وأما معنى الآية الكريمة - لو وردت في شأن عم رسول الله (ص) - أي، لما لم تكن للهمة أثر، ما أثرت همته، صلى الله عليه وآله وسلم، في إسلام أبى طالب، عليه السلام، بل إسلامه من الله، لكمال خلوصه ومحبته لولده العزيز، كما قال الله: (إنك لا تهدى من أحببت).
يعنى، إسلامه منى، لا منك. فمراده ليس أن همته ما أثرت في إسلامه وبقى كافرا قد العياذ بالله. هكذا ينبغي أن يفهم الآية المباركة. (ج)
(٨٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 802 803 804 805 806 807 808 809 810 811 813 ... » »»