شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٠١
ولما كانت النشأة الدنياوية منقضية متناهية، يتوجه تلك القوة إلى الضعف إلى أن تفنى. ولكون الآخرة دائمة أبدية، تزداد القوى الروحانية، إلى أن ينتهى إلى الكمال المقدر له. وقوله تعالى: (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا). إشارة إلى فناء قابلية الآلة التي بها يظهر العلم في الخارج، لأن النفس الناطقة يطرء عليها الجهل بعد العلم، وإلا ما كان تبقى العلم بعد المفارقة.
(فإن قلت: فما يمنعه من الهمة المؤثرة، وهي موجودة في السالكين من الاتباع، والرسل أولى بها؟ قلنا: صدقت، ولكن نقصك علم آخر. وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفا، (3) فكلما علت معرفته، نقص تصرفه بالهمة. وذلك لوجهين: الوجه الواحد، لتحققه بمقام العبودية ونظره إلى أصل خلقه الطبيعي.) أي، لظهوره بمقام العبودية، وهي يقتضى الإتيان بأوامر السيد. والتصرف إنما يكون عند الظهور بالربوبية، لأن للسيد المالك أن يتصرف في ملكه لا لعبده، ولنظره إلى أصل خلقه الطبيعي، وهو الضعف والعجز، كما قال تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف).
(والوجه الآخر، أحدية المتصرف والمتصرف فيه. فلا يرى على من يرسل همته فيمنعه ذلك.) والوجه الآخر، أن العارف يعرف أن المتصرف والمتصرف فيه في الحقيقة واحد، وإن كانت الصور مختلفة، فلا يرى أحدا غيره ليرسل همته عليه، فيهلكه فيمنع المتصرف ذلك العرفان عن تصرفه.
ف‍ (الرؤية) رؤية البصر، و (من) مفعوله. و (على) متعلق بقوله:
(يرسل). ويجوز أن يكون (الرؤية) بمعنى العلم، و (من) استفهامية. أي، فلا يعلم على أي موجود يرسل همته على سبيل القهر والغضب، فيهلكه. وليس في الوجود غيره.

3 - قوله: (أن المعرفة لا تترك الهمة...) وأما إظهار المعجزات على أيدي الأنبياء، فلأن الاحتياج دعاهم إلى ذلك، بل هو لبسط ربوبية الحق، لا لإظهار قدرتهم، ولذا كان ديدنهم بحسب الغالب التوجه الظاهري إلى الله تعالى. (الامام الخميني مد ظله)
(٨٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 796 797 798 799 800 801 802 803 804 805 806 ... » »»