شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٠٢
وأيضا، (التصرف) إنما يكون بالجهة الربوبية. فالمتصرف إن قلنا إنه رب، فليس للعبد فيه شئ، وهو المالك يفعل في ملكه ما يشاء. وإن قلنا إنه عبد، فلا يخلو من أنه يتصرف بأمر المالك أو لا. فإن كان بالأمر على التعيين، فالمتصرف أيضا المالك على يد العبد، وهو آلة فقط. وإن كان بالأمر على الإجمال، كقول المالك: تصرف فيما شئت، فهو بما شئت. فهو الخليفة. وهو أيضا مظهر الرب لا يفعل شيئا لنفسه. فإن لم يفعل بأمر المالك، يعلم أن المتصرف فيه هو الحق الظاهر بتلك الصورة، أو لا. فإن علم، فهو ممن أساء الأدب مع الله، فلا يكون تام المعرفة. وإن لم يعلم، فهو الجاهل بمرتبة المتصرف فيه، وبجهله يرسل همته عليه بالإهلاك.
فالحاصل أن المعرفة تمنع العارف من التصرف. ومن تصرف من الأنبياء والأولياء، إنما تصرف بالأمر الإلهي، لتكميل المتصرف فيه والشفقة عليه، وإن كانت الصورة صورة الإهلاك.
(وفي هذا المشهد يرى أن المنازع له ما عدل عن حقيقته التي هو عليها في حال ثبوت عينه وحال عدمه، فما ظهر في الوجود إلا ما كان له في حال العدم في الثبوت، فما تعدى حقيقته، ولا أخل بطريقته.) (المشهد) مقام الشهود. أي، وفي هذا المقام من المعرفة، وهو مقام شهود الأحدية، يعلم العارف أن من ينازعه وينازع الأنبياء والأولياء ما عدل عن اقتضاء حقيقته التي هي العين الثابتة، فإنها كانت على المنازعة مع حقائق الأنبياء والأولياء حال كونها ثابتة في العدم، لأن حقائقهم اقتضت الهداية والرشاد وطاعة أمر الله، وحقيقة المنازع معهم اقتضت الضلالة والغواية والإباء عما جاء به النبي. فكل على طريقته الخاصة به، وكل عند ربه مرضى. كما مر بيانه. فما ظهر في الوجود العيني شئ إلا على صفة ما كانت عليها في الوجود العلمي، فما تعدى المنازع عن حقيقته، ولا أخل بشئ في طريقته.
(فتسمية ذلك نزاعا) أي، ب‍ (النزاع). (إنما هو أمر عرضي، أظهره الحجاب الذي على أعين الناس، كما قال الله تعالى فيهم: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون
(٨٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 797 798 799 800 801 802 803 804 805 806 807 ... » »»